للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنَّ الإمام يتحمَّل صلاةَ المأمومين، الذي دلَّ عليه حديث الضمان.

والأذان سليم من هذه المخاوف كلِّها، بل ربما زهَّد الشيطانُ فيه، وثبَّط عنه، حتَّى يفوَّض إلى أطراف الناس. ولذلك قال عمر - رضي الله عنه - لبعض العرب: من يؤذِّن لكم؟ قالوا: عَبيدنا. قال: ذلك شرٌّ لكم (١).

وأما إمامته - صلى الله عليه وسلم - وإمامة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -، فمثلُ الإمارة والقضاء. وذلك أنَّ الولايات وإن كانت خَطِرةً، لكن إذا أقيم أمرُ الله فيها لم يعدِلها شيءٌ من الأعمال. وإنما يُهابَ الدخولُ فيها أولًا خشيةَ أن لا يقام أمرُ الله فيها لكثرة نوائبها، وخشيةَ أن يُفتَن القلبُ بالولاية، لما فيها من الشرف والعزِّ. ويكره طلبها لأنه من حبِّ الشرف وإرادة العلوِّ في الأرض يكون في الغالب، ولأنه تعرُّضٌ للمحنة والبلوى فإذا ابتلي المرءْ بها صار القيام بها فرضًا عليه، وكذلك إذا تعيَّنت عليه؛ فإمامته (٢) وإمامة الخلفاء الراشدين كانت متعينةً عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم، ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقِّهم أفضلَ من الأذان، لخصوص أحوالهم؛ وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل (٣). ولهذا قال عمر - رضي الله عنه -: لولا الخِلِّيفى لأذَّنتُ. رواه سعيد (٤).

وهذا كالإمارة نفسها. وكما أنَّ مقامهم بالمدينة لكونها دارَ هجرتهم كان أفضل من مقامهم بمكة، بل كان يحرُم عليهم استيطانُ مكة، وهذا الوصف مفقود في غيرهم. وكذلك صوم يومٍ وفطر [ص ١٦] يومٍ هو أفضلُ الصيام، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم غيرَه؛ لأنه كان يُضعِفه عما هو أفضل منه، فصار قلَّة الصوم في حقِّه أفضلَ. ونظائر هذا كثيرة.


(١) أخرجه بنحوه ابن المنذر في «الأوسط» (٣/ ٤١)، والبيهقي (١/ ٤٢٦).
(٢) يعني: إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٣) نقل ابن اللحام في «الاختيارات» (ص ٣٦) أن الأذان أفضل من الإمامة، وهو أصح الروايتين عن أحمد واختيار أكثر أصحابه، ثم أورد نصَّ ما جاء هنا عن إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين.
(٤) وأخرجه عبد الرزاق (١٨٦٩)، وابن أبي شيبة (٢٣٤٨).