للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو الذي ذكره الشيخ. وذلك لأنَّ الصلاة في أول الوقت أفضل, كما تقدَّم. وإنما خولف في شدّة الحرِّ لمعنى يختصُّه [ص ٤٤] فيبقى فيما سوى ذلك على استحباب التعجيل. ولأنَّ ما تقدَّم من تعجيل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صلاة الظهر مطلقًا، وتعجيلَه إياها في الشتاء من غير تفريق بين حالَي الغيم والصحو= دليل على أنهم لم يفهموا من حاله رعايةَ ذلك، مع أنَّ الشتاء مظِنّة الغيوم.

والرواية الثانية: يؤخِّرها في الغيم أيضًا، وهذه أصرَح عنه. قال - رضي الله عنه - (١): يؤخِّر الظهرَ في يوم الغَيم، ويعجِّل العصرَ، ويؤخِّر المغربَ، ويعجِّل العشاء. وقال أيضًا (٢): في يوم الغيم يؤخِّر الظهرَ حتى لا يشُكَّ أنها قد حانت، ويعجِّل العصرَ. والمغرب يؤخِّرها حتى يعلم أنه سواد الليل، ويعجِّل العشاءَ.

وهذا اختيار أكثر أصحابنا، لما روى سعيد في «سننه» عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يؤخِّرون الظهر، ويعجِّلون العصر، ويؤخِّرون المغرب في اليوم المُغِيم (٣). وهذا إخبار عن أهل الكوفة من أصحاب علي وعبد الله، ومَن بين ظهرانيهم من الصحابة. ومَن علِم حالَهم علِمَ أنهم لم يكونوا يتحرَّون ذلك إلا تلقِّيًا له عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ الصلاة تتكرَّر في كلِّ وقت، فأمرُ الوقت بها لا بَّد أن يتقدَّم فيه سنّة وأثر (٤)، ولا يجوز أن


(١) في رواية المروذي. انظر: «المغني» (٢/ ٣٨)، و «مسائل الكوسج» (٢/ ٤٣٨).
(٢) في رواية أبي طالب. انظر: «المغني» (٢/ ٣٩).
(٣) عزاه إليه في «كنز العمال» (٨/ ٢١٩).
(٤) في الأصل: «واثر واتد». ولعل كلمة «وأثر» تكرَّر وتحرَّف. وقد حذف «واتد» في المطبوع دون إشارة.