للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتحرَّوا مخالفة ما ظهر من السنة. وقال ابن المنذر (١): رُوِّينا عن عمر أنه قال: إذا كان يومُ غيم فعجِّلوا العصر، وأخِّروا الظهر.

ولأنَّ الغيم مظِنَّة المطر وغيره من الموانع للخروج، فإذا أُخِّر الظهر، وعُجِّل العصر، وأُخِّر المغرب، وعُجِّل العشاء= اكتُفي لهما بخروج واحد للمشقَّة. ولهذا قال القاضي: لا يستحَبُّ التأخير لمن يصلِّي في بيته. وقال غيره: بل يستحَبُّ على ظاهر كلامه.

وعلَّل بعض أصحابنا هذه المسألة بأنَّ الغَيم في الجملة مظِنَّة اشتباه الوقت، فأخَّرنا الظهر والمغرب لنتيقَّن دخولَ الوقت (٢)، فإنهما لا يُفعلان قبل وقتهما بحال، وفعلُهما بعد خروج الوقت جائز للعذر، وهذا عذر في الجملة؛ بخلاف العصر والعشاء فإنهما يصلَّيان قبل وقتهما في حال العذر، وهذا عذر في الجملة، ولا يصلَّيان بعد وقتهما بحال. وأمَّا الفجرُ، فلمَّا لم يجُز بحالٍ تقديمها ولا تأخيرها استوى في حال الاشتباه الأمران. ولذلك استحببنا أن نجعل الثانية من صلاتي الجمع مع تأخير الأولى، ليبقى بمنزلة الجامع بين الصلاتين. وأيضًا فلما كانت الظهر والمغرب يُحذَر فعلُهما قبل الوقت بكلِّ حال [ص ٤٥] ولا يُحذَر التأخيرُ في جميع الأوقات؛ والعصر والعشاء بعكس ذلك فيهما= كان ما بعُد عن المحذور أولى بالمراعاة.

وكلام أحمد يدل على هذا التعليل لأنه قال (٣): في يوم الغيم يؤخِّر


(١) في «الأوسط» (٢/ ٣٨١)، وأسنده ابن أبي شيبة (٦٣٤٥).
(٢) انظر: «المغني» (٢/ ٣٨ - ٣٩).
(٣) في رواية أبي طالب وقد مرَّ آنفًا.