للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذلك استُحِبَّ تأخيرُ الوتر إلى آخره. قال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ} [الإسراء: ٧٨] ومعلوم أنه إذا اشتدَّت الظلمة وبعُد عن النهار كان هذا المعنى (١) أبلغ. وإنما لم يُشرَع ــ والله أعلم ــ تأخيرُها إلى النصف الثاني لأنه مضاف إلى اليوم الذي يليه، فالتأخيرُ إليه تأخيرٌ إلى ما (٢) يقرب منه النهار. ولأنَّ فيه تغريرًا بها، إذ كانت السنَّة أن يصلِّيَ قبل النوم لئلا يستمرَّ النوم إلى الفجر؛ ولأنَّ الجمعَ بين استحباب تأخيرها إلى النصف الثاني وبين كراهة النوم قبلها متعذِّر (٣)، فإنه يقتضي سهر أكثر الليل، وذلك مفضٍ إلى غلبة النعاس وتفويت مقصود الصلاة.

ومنها: أنه إذا انتظرها فإنَّ العبد في صلاة، ما دامت الصلاة تحبسه. وإلى هذا أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إنكم لَتنتظرون صلاةً ما ينتظرها أهلُ دين غيرَكم»، فإن أهل الكتاب ليست لهم صلاة في جوف الليل، وإنما يصلُّون قبل طلوع الشمس وبعد زوالها وبعد غروبها. وهذا المعنى لا يحتاج إليه في غيرها، فإنه يقدر أن يصلِّيها في أول الوقت، ويجلس ينتظر التي بعدها، فإنَّ انتظار الصلاة قبل وقتها ــ لاسيَّما بعد صلاة أخرى ــ يستحَبُّ، بخلاف العشاء فإنه لا صلاة بعدها تُنتَظر.


(١) يعني: غسق الليل.
(٢) في المطبوع: «تأخير لما» خلافًا للأصل دون إشارة.
(٣) في الأصل: «معتذر»، وأشير إلى الصواب في حاشيته.