للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت الصلاة موقوفة محبوسة مردودة لم تكن مُجزئة. بل قوله: «لا تجوز» أبلغ من قوله: «لا تجزئ» لأنَّ هذا يعُمُّ الفرض والنفل، وذاك يختصُّ الفرض (١). وأيضًا فإن الصلاة في المكان النجس فاسدة، مع أنه لم ينطق كتاب ولا سنّة بأنها فاسدة ولا أنها غير مجزئة، وإنما فهم المسلمون ذلك من نهي الشارع عن الصلاة فيها، وتخصيص الإباحة بالأرض الطيبة. فهذه المواضع التي سُلِبت اسمَ المسجد، وترادفت أقاويلُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن الصلاة فيها= أولى أن لا تجزئ الصلاة فيها.

فإذا قيل: إنَّ الصلاة على مكانٍ فيه قطرةُ بولٍ أو خمرٍ، أو في بعض مساقط ثوب المصلِّي لا تصح اعتمادًا على قوله: «جُعِلت لي كلُّ أرضٍ طيِّبةٍ مسجدًا وطهورا» (٢)، واستنباطًا من تخصيصه وتعليله، مع أنه فهمٌ حسنٌ وفقه صحيح= فما هو أبينُ منه وأصرَحُ، من النهي الصريح والاستثناء القاطع، مع كونه أصحَّ وأشهر، وهو عن السلف أظهر وأكثر= أولى (٣) أن يُعتمَد عليه، فإنَّ هذا كالإجماع من الصحابة.

قال أنس: كنت أصلِّي، وبين يديَّ قبرٌ، وأنا لا أشعر. فناداني عمر: القبرَ القبرَ، فظننتُ أنه يعني القمر، فرفعت رأسي إلى السماء. فقال رجلٌ: إنما يعني القبر. فتنحَّيتُ عنه. رواه سعيد وابن ماجه وغيرهما (٤). وذكره


(١) في الأصل والمطبوع: «النفل»، ومقتضى السياق ما أثبت.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) في المطبوع: «وأولى»، زاد الواو من غير تنبيه، وهو خطأ. فلفظ «أولى» خبر لما الموصولة في قوله: «فما هو أبين».
(٤) لم أقف عليه عند ابن ماجه، وقد أخرجه عبد الرزاق (١٥٨١)، وابن أبي شيبة (٧٦٥٧).