للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يكن عليه مسجدٌ، لكن قصَده إنسان ليصلِّي عنده، فهذا قد ارتكب حقيقةَ المفسدة التي كان النهي عن الصلاة عند القبور من أجلها، وقد اتخذ القبورَ مساجدَ يقصدها للصلاة فيها، والصلاة عندها، كما يُقصَد المسجدُ الذي هو مسجدٌ للصلاة فيه؛ فإنَّ كلَّ مكان أُعدَّ للصلاة فيه أو قُصِد لذلك فهو مسجد. بل كلُّ ما جازت الصلاة فيه فهو مسجد، كما قال: «جُعِلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا» (١) وقال عليه السلام: «الأرض كلُّها مسجد إلا المقبرة والحمَّام» (٢) وسواء كان في بيت أو مكان محوط، وقد بُني عليه بناءٌ لأجله أو لم يكن.

وأما إن كان في موضعٍ قبرٌ وقبران، فقال أبو محمد (٣): لا يُمنَع من الصلاة هناك؛ لأنه لا يتناولها اسمُ المقبرة، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدًا. وليس في كلام أحمد وعامَّة أصحابه هذا الفرق، بل عمومُ كلامهم وتعليلُهم واستدلالُهم يوجِب منع الصلاة عند قبر من القبور. وهذا هو الصواب، فإنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تتخذوا القبور مساجد» (٤) أي (٥) لا تتخذوها موضع سجود. فمن صلَّى عند شيء من القبور فقد اتخذ ذلك القبر مسجدًا؛ إذ المسجدُ في هذا الباب، المرادُ به: موضع السجود مطلقًا، لاسيَّما ومقابلة الجمع بالجمع يقتضي توزيع الأفراد على الأفراد، فيكون المقصود: لا يُتَّخَذ قبرٌ من القبور


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) في «المغني» (٢/ ٤٧٠).
(٤) تقدَّم تخريجه.
(٥) في الأصل: «ألا»، وفي حاشيته: «لعله: أي».