للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقلِّده، وإلّا فلا فرق بين المحبوس في ظلمة وبين الأعمى.

وان ضاق الوقت عن الاجتهاد، مع علمه بالأدلَّة، فخاف إن اشتغل به أن يفوته الوقت، فإنه يصلِّي بالتقليد عند جماهير أصحابنا. ومنهم من قال: يصلِّي على حسب حاله. وهو كالذي قبله. وقال أبو محمد المقدسي صاحب الكتاب - رحمه الله - (١): بل يجتهد، لأنَّ الاجتهاد في حقِّه شرط لصحة الصلاة، فلم يسقط بخروج الوقت كسائر الشرائط؛ ولأنه مجتهد لا يجوز له التقليد مع سعة الوقت، فلا يجوز له مع ضيقه، كالمجتهد في الأحكام الشرعية مفتيًا وقاضيًا.

والأول هو الصواب، لأنَّ الصلاة في الوقت بالتقليد خير من الصلاة بعد خروج الوقت بالاجتهاد، كمن يقدر على تعلُّم الأدلة، لكن يخاف إن اشتغل بتعلُّمها فواتَ الوقت. ولأنَّ الصلاة في الوقت الحاضر فرضٌ، فلم يجُز تفويتها للاشتغال بأسباب الشرائط، كمن يعلم أنه يقدر على الماء أو على الثوب بعد الوقت.

ولأنَّ الاجتهاد ليس هو الشرط، وإنما هو الطريق إلى معرفة الشرط، فلم يجُز تفويتُ الصلاة بسببه كطلب الماء. ولأنَّ التقليد طريق صحيح، وهو بدلٌ عن (٢) الاجتهاد، فوجب العمل به عند خشية الفوات كالتيمُّم عند [فقد] (٣) الماء. ولا نسلِّم أنَّ الاجتهاد هو الشرط كما تقدَّم، ثم ينتقض بمن يعلم أنه يجد الماء بعد الوقت، أو تتبيَّن له القبلة، أو يجد السترة، أو يقدر على إزالة


(١) انظر: «المغني» (٢/ ١٠٨).
(٢) في الأصل والمطبوع: «يدل على»، ولعل الصواب ما أثبت.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.