للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خلف الإمام، والإمامُ يقرأ». قال: إنَّا لنَفعل ذلك. قال: «فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن» أو قال: «بفاتحة الكتاب». وهذا دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم أنهم يقرؤون خلف الإمام, [ص ٢٨٨] وكان فيهم من لا يقرأ, ولو كانت القراءة واجبة على المأموم لكان قد أمرهم بها وأعلمهم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

وأما قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}، فليس المراد به القراءة المفروضة في الصلاة, بدليل قوله بعد ذلك: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}. ولأن هذه السورة نزلت بمكة في أول الأمر قبل أن تُفرَض الصلوات الخمس, وكان وجوب الفاتحة بالمدينة، وإنما المراد به ــ والله أعلم ــ التلاوة المأمور بها عوضًا عن قيام الليل, فإنَّ حافظ القرآن ينبغي له أن يتلوه, وإذا نسيه فإنه يجب عليه أن يتلوه بحيث لا ينساه. وسياق الآية يدل (١) على هذا, حيث قال: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} إلى قوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} إلى قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المزمل: ٢٠].

وقد قيل: إن المراد به قراءة ما تيسر بعد الفاتحة, كما قال أبو سعيد: أمرنا نبيُّنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسَّر. رواه أحمد (٢).

وعلى هذا يحمل


(١) في الأصل: «تدل».
(٢) برقم (١٠٩٩٨)، وأخرجه البخاري في «القراءة خلف الإمام» (١٦)، وأبو داود (٨١٨)، من طرق عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد به.

صححه ابن حبان (١٧٩٠)، وقال ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (١/ ٤١٧): «إسناده على شرط مسلم، لكن أعله البخاري بعنعنة قتادة وهو مدلس، وأشار الدارقطني في «العلل» إلى أن الراجح وقفه».