للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال جماعة من أهل اللغة: قَدَر يَقْدِر بمعنى ضَيّق، ومنه قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧]، أي: نضيّق، وقوله: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الشورى: ١٢]، أي: يضيّق (١).

فإن كان قوله: «فاقدروا له» بمعنى: ضيّقوا له، فالتضييق لا يكون إلا بأن يُحْسَب له أقل زمان يطلع فيه، وهو طلوعه ليلة الثلاثين، وإن كان بمعنى: قدّروا له، فالتقديرُ الحسابُ والعدد، وذلك يُطلَق على التقدير بالثلاثين وعلى التقدير بالتسع والعشرين، فالقَدْر بالثلاثين هو القدر في آخر الشهر، وعلى ذلك تُحمل الرواية المفسّرة إن صحت، فإن مدارها ... (٢)، فإنّ الراوي لها هو ابن عمر، ومُحالٌ أن يروي «فاقدروا له» في أول الشهر ثلاثين، ويَقْدُر هو تسعًا وعشرين.

وقد رُوي ذلك مفسَّرًا من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقَدَّموا الشهرَ ــ يعني: رمضان ــ بيوم ولا يومين، إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومُه أحدُكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمّ عليكم فاقدروا ثلاثين يومًا ثم أفطروا» رواه أحمد (٣).

والقَدْر بالتسع والعشرين يكون في أول الشهر لتفسير ابن عمر، ولأنه أحوط للصوم، فالقَدْر في كلّ هلالٍ بما يقتضيه، كما كانت البيِّنة في كلِّ


(١) ينظر «المفردات» (ص ٦٥٩ - ٦٦٠) للراغب، و «الدرّ المصون»: (٨/ ١٩٠) للسمين الحلبي.
(٢) بياض بالنسختين.
(٣) (٩٦٥٤ و ١٠٤٥١). وقد سبق تخريجه.