للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: هذا لا يصح؛ لأن اعتياد صوم السِّرار دون ما قبله في الصحو هو التقدُّم المنهيّ عنه في حديث أبي هريرة، فلا يجوز أن يُحمل عليه، ولا يجوز أن يُحمل على أن عادتَه صومُ أيام منها السِّرار؛ لأنه إنما أمره بقضاء السّرار فقط، ولذلك أيضًا يُكره أن ينذر صوم السِّرار مفردًا أو يحرم؛ لأنه تقدم وجوبه يوم الشكّ، وما كان مكروهًا في الشرع كان مكروهًا وإن نذَرَه.

ثم هذا ليس له في الحديث ذِكْر، وإنما المذكور حُكمٌ وهو الأمر بالقضاء، وسببٌ وهو فِطر ذلك السّرار، فيجب تعليق (١) الحكم بذلك السبب، ولم يسأله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن شيء سوى ذلك.

ثم معلوم أن النذرَ يجب قضاؤه، ولا اختصاص للسِّرار بذلك. ثم راوي الحديث عمران وصاحبُه مطرّف فَهِما من ذلك العمومَ في حقّ ذلك الرجل وغيره. ثم حديث معاوية عامّ صريح بالأمر بصوم السرّ، وقد فهم منه معاويةُ التقدّمَ.

فإن قيل: فقد أمره بقضاء يومين، وإنما يقضي مع الإغمام يومًا واحدًا.

قيل: أما حديث معاوية، فليس فيه عدد، وإنما فيه السِّرار، والسِّرارُ المتيقّن هو ليلة واحدة.

قال غير واحد من أهل اللغة (٢): سَرر الشهر: آخر ليلة منه.

وأما حديث عمران، فقد ذكر بعضُ الرواة أنه إنما أمره بقضاء يوم فقط (٣)،


(١) في ق والمطبوع: «تعلق» خطأ.
(٢) منهم الكسائي والفراء، ينظر «تهذيب اللغة»: (١٢/ ٢٨٥)، و «الصحاح»: (٢/ ٦٨٢).
(٣) جاء ذلك (صيام يوم واحد) في حديث عمران من طرقٍ عن حماد بن سلمة، عن الجريري، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن مطرّف. أخرجه أحمد (١٩٩٨٨)، وأبو داود (٢٣٢٨)، والنسائي في «الكبرى» (٢٨٨١). وخالف حمّادًا في روايته عن الجريري جماعةٌ، وهم يزيدُ بن هارون وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وخالد الواسطي فرووه عن الجريري: «فصم يومين». فالظاهر أن الوهم فيه من حمّاد لاضطرابه فيه ومخالفته جماعةَ الثقات. ومما يدل على خطأ هذا اللفظ أن الحديث رواه عن مُطرّف جماعةٌ ثقات منهم غيلان بن جرير وعبد الله بن هانئ وثابت البناني (يرويه عنه حماد بن سلمة) كلهم بلفظ: «فصم يومين». أخرجه البخاري (١٩٨٣)، ومسلم (١١٦١).