للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول مَن قال: «ولم يحرِّمها»، فهو قد اعتقد ذلك، وقد أخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذلك، والنهي يقتضي التحريم، ولم يُعلَم الصحابي الذي اعتقد ذلك، وقد خالفه جمهور الصحابة.

ومَن رُويَ عنه مِن الصحابة الرخصةُ في ذلك، فأكثرهم قد رُوي عنه بخلافه، وهذا يدلّ على أنهم لم يكونوا سمعوا النهي في ذلك (١)، ثم سمعوه كما جاء مفسّرًا في حديث ابن عمر.

ويوضّح ذلك أن مَن قال منهم: لا يفطّر، فقد بنى قولَه على ظاهر القياس، بخلاف مَن قال: إنها تفطّر؛ فإنه لا يقول ذلك إلا لعِلْمٍ اطلع عليه وخفي على غيره.

وكلّ ما اختلف فيه الصحابةُ مما يشبه هذا، مثل: اختلافهم في انتقاض الوضوء بمسّ الذّكَر ونحوه، فإنَّ المُثبِت منهم يجب أن يكون معه عِلْمٌ خفيَ على النافي (٢)؛ لأن هذا ابتداء شريعة لا يجوز أن يثبت بالقياس، بخلاف النفي فإنه يكفي فيه البراءة الأصلية.

وأما حديث ابن عباس فقد قال أحمد في رواية مهنّا: حديث ابن عباس «أنه احتجم صائمًا» خطأ من قِبل قَبيصة، رواه عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس (٣).


(١). «في ذلك» لسيت في س.
(٢). ق: «الناس»، وما في س أصح بدليل السياق بعده.
(٣). أخرجه النسائي في «الكبرى» (٣٢١٦) وقال النسائي: «هذا خطأ، لا نعلم أحدًا رواه عن سفيان غير قَبيصة، وقبيصة كثير الخطأ». وقد خالف قبيصةَ في الرواية عن سفيان عبد الرزاق (عند أحمد ٢٥٦٠) وأبو نعيم (عند الطبراني ١٢/ ٦٢) فرَوَيا عنه، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوّج وهو محرم، واحتجم وهو محرم».