للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاشوراء، وذكر الأحاديث الأُخَر. قال: وهذا عندنا من الناسخ والمنسوخ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكَّد (١) صومَه في أول الأمر قبل نزول شهر الصوم (٢)، حتى أمرهم بأن يُتمُّوا بقيةَ (٣) يومهم وإن كانوا قد أكلوا، وإنما يُفْعَل ذلك في الفريضة، ثم جاءت الأحاديث لما بيَّن أن ذلك كلّه كان قبل شهر رمضان، فلما فُرِض شهر رمضان، كان ما سواه تطوُّعًا.

ومما يؤكِّد ذلك حديث معاوية، ففيه وفيما اشتهر من الأحاديث بيان نسخ إيجاب صوم عاشوراء، وفيه أيضًا بيان أن النَّسْخ لم يكن على تركه البتة، ولكن على أنه صار تطوُّعًا، وهو اختيار أبي محمد، وهو أشبه (٤).

وهذا لِما روى سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: «أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلًا: أنْ أذِّن في الناس: أنَّ مَن كان أكلَ فليصُمْ بقية يومِه، ومَن لم يكن أكَلَ فليصم، فإنَّ اليوم يوم عاشوراء» متفق عليه (٥).

والأمر يقتضي الإيجاب خصوصًا في الصوم؛ فإنه لم يكن يأمر بصيام التطوُّع، وإنما يرغِّب فيه ويحضّ عليه، ثم أذانُه بذلك في الناس أذانًا عامًّا وأمْرُه للآكل (٦) بصوم بقيّة يومه توكيد ومبالغة لا يكون مثله لصومٍ مستحبّ.

وعن هند بن أسماء قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومي مِن أسْلَم،


(١) ق: «ذكر».
(٢) س: «رمضان» بدلا من «شهر الصوم».
(٣) سقطت من ق، وفي س غير محررة ولعله ما أثبت.
(٤) أبو محمد هو ابن قدامة، ينظر «المغني»: (٤/ ٤٤٢). وبعده بياض في س.
(٥) أخرجه البخاري (١٩٢٤)، ومسلم (١١٣٥).
(٦) س: «الآكل».