للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: إذا مات قبل الحج فقد لحقه الوعيد، بدليل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: ٩ - ١٠]، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ٩٩ - ١٠٠]. ولأنه إذا مات قبل أن يحج مات عاصيًا على كبيرة من الكبائر، بل يُتخوف (١) عليه أن يموت على غير الإسلام، كما نذكر إن شاء الله في مسألة الفور، فلو كان الحج يجب أن يُفعَل عنه بعد موته، ويُجزِئه كما يُجزِئه لو فعله في حياته، لكان يجوز للرجل أن يؤخِّر الحج إلى ما بعد الموت، كما له أن يؤخِّره إلى آخر حياته عند من يجوِّز تأخيره.

والذي يبيِّن ذلك أن الحج وغيره من العبادات (٢) ابتلاء للعبد وامتحان له، وأمرٌ له بأن يعبد الله، وهذا القدر لا يحصل إلا بأن يقصد العبادة ويفعلها بنفسه، أو يأمر من (٣) يفعلها. وبالموت قد تعذَّر ذلك، ولهذا لو حج عنه غيره في حياته (٤) بغير إذنه لم يُجزِئ عنه، وهذا بخلاف دين العبد، فإنه لا يفتقر إلى النية، ويصح بدون إذنه، حتى (٥) لو أداه عنه غيره بغير إذنه جاز،


(١) في المطبوع: «تخوف».
(٢) في المطبوع: «العبادة».
(٣) س: «بمن». وفي هامشها: لعله لمن.
(٤) س: «في حياته غيره».
(٥) «حتى» ساقطة من س.