للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لحمُ الصيد حلالٌ للمحرم ما لم يَصِدْه أو يُصَدْ له».

وهذا الحديث مفسِّر لما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من كراهة صيد الحلال للمحرم ومن إباحته له.

أما الأول: فروى ابن عباس عن الصَّعْب بن جَثَّامة أنه أهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًّا وهو بالأَبْواء أو بوَدَّانَ، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: «إنا لم نردَّه عليك إلا أنَّا حُرُم» متفق عليه (١). وفي رواية: «لحم حمار» وفي رواية: «من لحم حمار وحش». وفي رواية: «شِقَّ حمارِ وحشٍ فردَّه». وفي رواية: «عَجُزَ وحشٍ يقطر دمًا». رواهن مسلم (٢) وغيره.

فهذا لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعان عليه بوجه من الوجوه، ولا أمر به ولا علم أنه يُصاد له، وإنما يُشبِه ــ والله أعلم ــ أن يكون قد رأى لما أهداه أنه صاده لأجله؛ لأن الناس كانوا قد تسامعوا بقدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكلٌّ يحبّ أن يتقرَّب (٣) إليه ويُهدي إليه، فلعل الصعب إنما صاده لأجل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان هذا يكون تركُه واجبًا. أو يكون خشي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون صِيْدَ لأجله، فيكون قد تركه تنزُّهًا، وكذلك قال الشافعي (٤) - رضي الله عنه -، كما كان يدع التمرة خشيةَ أن تكون من تمر الصدقة (٥).


(١) البخاري (١٨٢٥) ومسلم (١١٩٣).
(٢) رقم (١١٩٤). وانظر «فتح الباري» (٤/ ٣٢).
(٣) في المطبوع: «يقترب» خلاف ما في النسختين.
(٤) في «الأم» (١٠/ ٢٤٣).
(٥) كما في حديث أنس بن مالك الذي أخرجه مسلم (١٠٧١). وفي الباب أحاديث أخرى.