للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الرواية الأخرى فلم تُرْوَ (١) إلا عن ابن عباس، وعن أصحابه الذين أخذوها عنه، قال ابن عبد البر (٢): ما أعلم أحدًا من الصحابة رُوي عنه أنه عليه السلام نكح ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس.

وإذا كان أحد الخبرين أكثرَ نقَلَةً ورُواةً قُدِّم على مخالفه، فإنَّ تطرُّق الوهم والخطأ إلى الواحد أولى من تطرقه إلى العدد، لا سيما إذا كان العدد أقربَ إلى الضبط وأجدرَ بمعرفة باطن الحال.

السادس: أن في رواية عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوَّجها وهما محرمان (٣)، وأن عقد النكاح كان بسرِفَ، ولا ريب أن هذا غلط، فإن عامة أهل السير ذكروا (٤) أن ميمونة كانت قد بانت من زوجها بمكة، ولم تكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرته، فإنه لم يَقدَمْ بها من المدينة، وإذا كانت مقيمة بمكة فكيف تكون محرمةً معه بسرِفَ؟ أم كيف ــ وإنما بعث إليها جعفر بن أبي طالب ــ خطَبَها؟ وهو يُوهّن الحديث ويعلّله.

السابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوَّجها في عمرة القضية في خروجه، ورجع بها معه من مكة، وإنما كان يُحرم من ذي الحليفة، فيُشبِه أن تكون الشبهة دخلت على من اعتقد أنه تزوَّجها محرمًا من هذه الجهة، فإن ظاهر الحال


(١) ق: «ترِد». وكلاهما بمعنى.
(٢) في «التمهيد» (٣/ ١٥٣) و «الاستذكار» (١١/ ٢٥٩). وتعقَّبه الحافظ في «الفتح» (٩/ ١٦٦).
(٣) قوله: «وهما محرمان» لم يثبت في رواية عكرمة، وإنما جاء في بعض الطرق عنه، وأكثر الثقات يروونه عنه بلفظ: «وهو محرم». انظر ما سبق (ص ٦٢٧).
(٤) انظر «الإصابة» (١٤/ ٢٢١).