للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلُ جميع المناسك، ففوات الوقوف بعرفة لا يُسقِط ما أدرك وقته من المناسك، كمن عجز عن بعض أركان الصلاة وقدر على بعض. أكثر ما فيه أن الحج قد انتقض وفسد، فأشبه من أفسده بالوطء، فإنه يمضي في حج فاسد.

والصواب هو الأول، لأن الله سبحانه قال: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} الآية [البقرة: ١٩٨]، فأمرهم بالذكر عقب الإفاضة من عرفات، فمن لم يُفِضْ من عرفات لم يكن مأمورًا بالوقوف بالمشعر الحرام، وما لا يؤمر به من أفعال الحج فهو منهيٌّ عنه، كالوقوف بعرفة في غير وقته.

ولأن الحكم المعلَّق بالشرط معدوم بعدمه، فإذا علِّق الوقوف بالمشعر الحرام بالإفاضة من عرفة اقتضَى عدمَه عند عدم الإفاضة من عرفات.

ولأن الآية تقتضي أنه مأمور بالذكر عند المشعر حينَ الإفاضة وعقِبَها، فإذا بطل الوقت الذي أمر بالذكر عند المشعر (١) فيه، وبطل التعقيب، كان قد فات وقت الوقف (٢) بالمشعر وشرطه، وذلك يمنع الوقوف فيه.

ونظير هذا قوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨]، فإنها دليل على امتناع الطواف بهما من غير الحاج والمعتمر؛ ولذلك لا يُشرَع الطواف بالصفا والمروة إلا في حج أو عمرة، بخلاف الطواف بالبيت، فإنه عبادة منفردة أفردها بالذكر في قوله: {وَطَهِّرْ


(١) في المطبوع زيادة «الحرام» بعدها، وليست في النسختين.
(٢) في النسختين: «الوقت». وفي هامشهما: «لعله الوقوف». والمثبت يناسب الرسم.