للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن شاء غسل، وإن شاء ترك.

وسادسها: أنه لو كان المراد به غسل اليدين والفم لما فرَّق بينهما. وكونُ الإبل مختصّةً بزيادة زهومة ودسومة لا يُوجب اختصاصها بالأمر، فإنه - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنًا، فمضمض، وقال: «إنَّ له دَسَمًا» (١).

وسابعها: [١٠٩/ب] أنه سيأتي أنه أمر بالوضوء من لبن الإبل، ومعلومٌ أنَّ دسَمها دون دسَم لحم الغنم، فكيف يكون المراد به غسل اليد والفم؟ وأمّا حملُه على الاستحباب فبعيد، لأنه أمرٌ، والأمر للإيجاب. ولأنه ذكَر الحكمَ في جواب السائل، والحكمُ في مثل هذا لا يُفهم منه إلا الإيجاب، كالوضوء من الصوت والريح ومسِّ الذكر. ولأنه فرَّق بينه وبين لحم الغنم، والنهيُ في لحم الغنم إنما أفاد نفيَ الإيجاب، فيجب أن يكون في لحم الإبل مفيدًا للإيجاب، ليحصل الفرق. ولأنه أثبتَ بذلك صفةً في الإبل تقتضي الوضوء، والأصلُ في الأسباب المقتضية للوضوء أن تكون موجبةً.

ولأنّ استحباب الوضوء من لحم الإبل دون الغنم إحداثُ قولٍ ثالثٍ خارجٍ عن قولي العلماء. ولئن قاله قائل، وعلَّل ذلك بالخروج من الخلاف، فهذه (٢) علَّة اجتهادية ليست تصلح أن تكون علَّة لنفس الحكم. والشارعُ فرَّق بينهما تفريقًا يوجب اختصاص أحدهما بالحكم لمعنى اختلاف العلماء (٣)، وذلك المعنى [إمَّا] (٤) أن يوجب الوضوء أو لا يوجبه أو لا يقتضيه.


(١) أخرجه البخاري (٢١١) ومسلم (٣٥٨) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) في الأصل والمطبوع: «وهذه».
(٣) كذا في الأصل والمطبوع، ولعل صوابه: «اختلف العلماء فيه».
(٤) زيادة مني.