للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلاتهم، بل أولى، كما تقدَّم. وكما أنه يؤذي من يصلِّي في الجماعة، فإنه يؤذي المصلِّيَ وحده.

وقال القاضي في «المجرَّد» وأبو الحسن الآمدي وطائفة من أصحابنا: إنما يستحَبُّ الإبراد لمن يصلِّي في مساجد الجماعات (١) سواء كان المسجد ينتابه البعيد منه أم لا، لأن الخروج إلى المسجد في الجملة مظنَّة المشقَّة في وقت القائلة، فاستحبَّ التأخير لتكثير الجماعة؛ بخلاف المصلِّي وحده، أو في بيته، أو في القوم المجتمعين (٢).

والأول هو الصحيح، لما تقدَّم.

وإنما يستحَبُّ الإبراد في البلاد التي لها حرٌّ في الجملة، سواء كان شديدًا أو قليلًا، كبلاد الحجاز والعراق والشام واليمن ومصر.

فأما البلاد الباردة التي لا حرَّ فيها، وإنما حرُّها في منزلة الربيع في غيرها مثل البلاد الشمالية وبلاد خراسان، فإنَّه لا يُستحَبُّ الإبرادُ فيها. هكذا ذكره القاضي وغيره من أصحابنا، لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدُوا بالصلاة»، وقال: «فإنَّ شدَّةَ الحرِّ من فَيح جهنَّم». وهناك لا يشتدُّ الحرُّ، ولكن تتنفَّس (٣) بالبرد فيظهر [ص ٤٣] هناك زمهريرها، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ النارَ اشتكَتْ إلى ربِّها، وقالت: أكل بعضي بعضًا. فأذِنَ لها بنفَسين نفَسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف. فأشدُّ ما تجدون من الحرِّ من حرِّ جهنَّم،


(١) في المطبوع: «الجامعات»، خطأ طباعي.
(٢) انظر: «المغني» (٢/ ٣٦) و «المبدع» (١/ ٢٩٨).
(٣) في الأصل والمطبوع: «ولا يتنفس». ومقتضى السياق ما أثبت.