للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به هو المفروض، فلم يصحَّ إتيانه به، وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين من ارتكب في الصلاة محظورا لا تعلُّق له [ص ٨٠] بواجباتها، مثل لبُس خاتم الذهب، وحمل المغصوب؛ فإن ذلك معصية منفصلة عن العبادة، وإن كانت فيها، فأشبهت الظلم والبغي للصائم والمحرِم، فإن هذه المعاصي تقابل الثواب إن كانت بقدره، مع براءة الذمة من عهدة الواجب، فيبقى لا له ولا عليه: لا يعاقَب عقوبةَ التارك، ولا يثاب ثوابَ الفاعل، كما في الحديث: «ربَّ صائمٍ حظُّه من صيامه الجوعُ والعطشُ. وربَّ قائمٍ حظُّه من قيامه السَّهرُ» (١).

أما إذا كان شرطُ صحة العبادة التي لا تتمُّ إلا به، أو شرطُ وجوبها الذي به يمكن أداؤها أيضًا= مفعولًا على الوجه المحرَّم، كالماء والتراب في الوضوء والتيمُّم، وكالزينة والبقعة في الصلاة، وكالمال في الحجِّ= فإنه يكون متقرِّبًا إلى الله بنفس ما حرَّمه، ومطيعًا له بفعل (٢) ما حرَّمه. والتقرُّبُ إلى الله والطاعةُ له بفعل ما حرَّمه محالٌ، ولا يصحُّ، ولا يجزئ.

ولو كان عليه ثوبان، أحدهما محرَّم، فقال أكثر أصحابنا: لا يصحُّ أيضًا، لأنَّ المباح لم يتعيَّن ساترًا، سواء كان فوقانيًّا أو تحتانيًّا، إذ أيُّهما قُدِّر عدمُه ستَر الآخرُ. وكذلك لو كان بعض الثوب مغصوبًا، ولم يكن ساترًا لشيء من العورة؛ لأنه تابع للساتر.

ومنهم من خصَّ الروايتين بمن صلَّى في سترة يحرُم عليه لبسُها، ولا


(١) أخرجه أحمد (٨٨٥٦)، من حديث أبي هريرة.
وصححه ابن خزيمة (١٩٩٧)، وابن حبان (٣٤٨١)، والحاكم (١/ ٥٩٦).
(٢) رسمها في الأصل يشبه «بفدل»، وفي المطبوع: «بقدر». وكلاهما تحريف ما أثبت.