[تكفير الخطايا بالصبر على البلاء]
إذا مرض الإنسان وهو مؤمن تذكر أن هذا المرض ابتلاء من الله عز وجل؛ وفي الحديث: (إن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا يكفرها إلا طول البلاء) (وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، كلما كان في دينه صلابة زيد في بلائه) فالله عز وجل لا يظلم الناس مثقال ذرة.
الآن ترى بعض الكفار مثل الحمار، متعافٍ في عضلاته، وتجد بعض المؤمنين نحيلاً، مريضاً، يسعل وعنده ربو، هل لأن الله يحب هذا الكافر أعطاه العافية، ولأنه لا يحب المؤمن أعطاه المرض؟ لا.
ولكن ليرفع الله درجة المؤمن بمرضه فيُكَفِّر عنه خطيئته، حتى يصل إلى الله عز وجل ولا خطيئة له.
فالمؤمن قد يسير على الأرض قبل الموت ولا خطيئة له بأسباب البلايا، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (حتى الشوكة يشاكها الرجل في الإسلام يثاب عليها) عندما نزل قول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨].
قال أبو بكر رضي الله عنه: (يا رسول الله! أعلى مثاقيل الذر نحاسب؟ قال: يا أبا بكر! ألست تحزن؟ ألست تمرض؟ قال: نعم.
قال: يكفر الله بها ذنبوك).
إذا عملت من الذنوب شيئاً فإن الله يكفر عنك هذه الذنوب بما ينالك فإذا مرضت وأتتك حمى، وأتاك ألم أو حصل لك أي ألم في أي جارحة من جسمك، وتذكرت أن الذي أمرضك هو الله تبارك وتعالى، وأن الله ما أراد بهذا المرض إزعاجك أو تعذيبك، وإنما أراد تطهيرك، ورفع درجتك، وتكفير خطيئتك فتحمد الله، تقول: الحمد لله.
حتى إن بعض المرضى الآن يحمد الله أكثر من المتعافين، فإذا سألت المتعافي فقلت له: كيف حالك؟ قال لك: طيب، وتسأل المريض: كيف أنت؟ فيقول لك وهو مريض: الحمد لله، لماذا؟ لأن الإيمان جعله هكذا، لكن إذا كان مريضاً ولم يكن عنده إيمان -والعياذ بالله- انتابه السخط، وأتاه الوهن، وأتته الهموم من كل جانب، وتصور الموت في كل طريق، تجده يقرأ جميع الصفحات الطبية، ويشتري جميع الأدوية ويقول: هذا يفيد كذا، وهذا يضر كذا، وأنا ذهبت إلى المستشفى الفلاني، وأنا مرضت ويعيش طوال حياته في أوهام، لماذا؟ لأنه ليس عنده إيمان، أما الذي عنده إيمان فإنه لا يفكر أبداً في هذه الأشياء؛ لأنه يعرف أن المرض لا يميت، وأن الذي يميت هو الله، والذي يعافي هو الله، ليس المرض والعافية، وأن الطبيب يكتب الدواء، بينما لا يستطيع أن يعالج نفسه.
أما ترون الأطباء يمرضون ويدخلون المستشفيات ويموتون، إذاً لماذا لا يمنع الطبيب نفسه من المرض؟
قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك
قل للمريض شوفي وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك
يا أيها الإنسان مهلاً ما الـ ـذي بالله جل جلاله أغراك
أفإن هداك بعلمه لعجيبة تزور عنه وينثني عطفاك
ذقت الهوى مراً ولم أذق الـ ـهوى يا رب حلواً قبل أن أهواك
دنياي غرتني وعفوك غرني ما حيلتي في هذه أو ذاك
فإذا وجد الإيمان والإنسان مريض، كان هذا المرض نعمة، وإذا عدم الإيمان والإنسان مريض، كان هذا المرض نقمة -والعياذ بالله- فالإيمان ضروري؛ لأنه يحوِّل جميع المحن والأمراض والفقر والمصائب إلى نعم، ويحوِّل جميع النعم إلى العافية.
إذاً: عندما يكون الإنسان متعافياً ولديه جسد قوي، وعضلات قوية، وعنده إيمان، فإنه يستخدم هذه القوة العضلية في طاعة الله، فلا تراه إلا ماشياً إلى المساجد، أو مجاهداً في سبيل الله، أو سائراً في طريق الخير، فيستعين بهذه القوة في طاعة الله؛ لأن جسد مبني على إيمان، أما إذا كان لديه جسد قوي وعضلات قوية ولكنه فاجر، فإنه يعتدي بهذه القوة على حرمات الله، ويستخدمها في معصية الله، تراه يعتدي بها على أولياء الله، ويؤذي بها عباد الله، فأصبحت العافية في حقه سبباً لعذابه في الدنيا، ونكاله -والعياذ بالله- في الدار الآخرة.
فهذه ضرورة الإيمان في الدنيا قبل الآخرة.