[من الأشياء التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت: ظهور الخوارج]
مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: خروج طائفة اسمهم: الخوارج، واسمهم: الحروريون، نسبة إلى موقع في الشام اسمه: حروراء: وهؤلاء أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم، ولهم دور عظيم في الفرقة التي وقعت في الأمة الإسلامية في ذلك الزمان، وربما يكون لهم دور في كل زمان، إذا ساروا على نفس المنهج الذي ابتكره الشيطان وأغراهم وأقنعهم به.
وهم يدَّعون العلم، ويُجهدون أنفسهم في العبادة، ويدعون إلى كتاب الله؛ ولكنهم أجهل الناس بأحكام كتاب الله، وهذا هو الخطر فيهم، أن أمرهم ينطلي على البسطاء، وأنه يخدع الجهلاء، حينما يرى الجاهل فيهم كثرة العبادة، وكثرة الانقطاع في الدين، والغيرة على الإسلام، والحماس، والتمسك لدرجة أن أصغر صغيرة من الذنوب عندهم كفر، أي: في معتقدهم أنه إذا عمل مسلم صغيرة فقط، ماذا يصير في حكمهم؟ يصير كافراً، وهذا ضد معتقد أهل السنة والجماعة أن الكبائر لا يخرج الإنسان بها من الدين، المسلم مؤمن بإيمانه، فاسقٌ بعصيانه، تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء غفر له، وإن شاء أدخله النار، ليعذبه بقدر خطيئته ومعصيته، ثم نهايته إلى الجنة، ما دام أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام، ويؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله، ويؤمن بجميع القضايا الإيمانية المعروفة من الدين بالضرورة، هذا مؤمن ومسلم؛ لكنه إذا وقع في معصية فهو عاصٍ، وهذه المعصية تحت مشيئة الله، إذا مات هذا الإنسان وهو مصر عليها، إذا تاب منها تاب الله عليه، وإذا مات وهو مصر عليها فهو تحت المشيئة، إما أن يُعذَّب بقدرها، وإما أن يُغفر له.
لكن هؤلاء الخوارج والحروريون عقيدتهم: أن الإنسان إذا عمل معصية ولو كانت صغيرة فإنه يكفر -والعياذ بالله-.
هؤلاء أحكامهم جائرة، وآراؤهم قاصرة، يسفكون دماء المخالفين لهم من المسلمين، إذا خالفهم أحد من المسلمين يستبيحون دمه وعرضه، ويجهِّلون الصحابة والعلماء، إذا جئت عنده، قال: اترك العالم الفلاني، أنا أعلم في هذا الحديث.
وهو لا يفهم في الحديث؛ لأنه ينظر له من منظار ضيق، ويطلع عليه من زاوية ضيقة، لا يعرف منه شيئاً، ليس عنده إحاطة بدين الله، نظراً لحداثة سنه وجهله، وعدم انشراح صدره، وعدم وجود النور الذي يقذفه الله في قلبه؛ لأن الإيمان نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده.
وفي الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية -يعني: يقولون كلام الرسول صلى الله عليه وسلم- يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم -يقرأ؛ لكن من هنا إلى فوق، لا يدخل حرف واحد والعياذ بالله- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجر عند الله يوم القيامة لمن قتلهم) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم.
وأيضاً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح الجامع للسيوطي، قال: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة: قوم يحسنون القيل -يعني: الكلام- ويسيئون الفعل -يعني: الاتباع والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم- يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم -التراقي هي: العظم الذي في الرقبة- يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد السهم إلى الرمية -وهذا لا يرجع- هم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه بشيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم).
هؤلاء هم الخوارج، وربما يتكررون، فقد خرجوا في عهد علي رضي الله عنه، وقاتلهم علي، وفاوضهم ابن عباس رضي الله عنه، وكذبوا الصحابة، وربما يتكرر خروجهم إذا وُجد من يتبنى فكرهم.
وطريق السلامة من الوقوع في هذه المزالق: أن تكون متبعاً لا مبتدعاً، مقتدياً مهتدياً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرون المفضلة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: مَن كان على مثلما أنا عليه وأصحابي).
والحمد لله أننا نعيش في هذا الزمن والأمة متمسكة بمذهب أهل السنة والجماعة، فالحمد لله، وعلماء السنة هم الظاهرون في الأرض، وهم الموثوق في كلامهم، وهم الذين ينزل كلامهم كالثلج على القلوب.
ولذا نقول للشباب: إذا اهتديت لا تأخذ الدين من رأسك، خذ الدين من العلماء الموثوق في علمهم، وإذا أشكل عليك شيء فارجع؛ لأن الذي يأخذ الدين من الكتاب يخطئ.
هل سمعتم بأن طبيباًَ تعلم الطب من الكتب بدون كلية؟! ما رأيكم؟! ممكن؟! ولو جاء رجل وقال: والله أنا قرأت كتب الطب كلها، وأريد أن أعمل عمليات، أنصدقه؟! نتركه يفتِّح البطون؟! نقول: لا.
الطبيب لا يأخذ العلم من الكتب لوحدها؛ لا بد من دكاترة يتعلم على أيديهم، ولا بد من دروس عملية، ومن ممارسة وتطبيق واختبارات ومختبرات، لكي يعرف الإنسان كيف يعالج الجسد.
لكن من الناس من يريد أن يعالج أرواح العباد التي هي أهم من أجسادهم، وهو ما جلس إلى عالم، ولا اتصل بعالم، وإنما يقرأ الكتاب هكذا، ويأخذ الدليل ويحكم عليه وهو لا يدرى عنه.
وقد جاءني مرة -وقد ذكرتُ هذا الكلام- جاءني أهل قرية وإذا بهم يصيحون، يقولون: يوجد أحد الشباب عندنا كتب لوحة في المسجد، وقال: لا تجوز الصلاة في هذا المسجد، ومن صلى في هذا المسجد فصلاته باطلة.
يقولون: نحن نصلي في هذا المسجد من يوم أن عرفنا أعمارنا، وأجدادنا، وأجداد أجدادنا، من مئات السنين، يصلون فيه جمعة وجماعة، وهذا الرجل يقول: ليس لكم صلاة، فجاءوني في البيت وهو معهم.
قلتُ له: أنت قلتَ هذا؟ قال: نعم.
قلت: وما هو دليلك؟ قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجوز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر).
قلتُ: وهل في هذا المسجد قبر؟ قال: يقولون.
قلت: رأيت قبراً بعينك؟ قال: لا.
قلت: حفرتَ في الأرض، ولقيتَ شيئاًَ بعينك؟ قال: لا.
قلت: هناك شيء موجود؟ ضريح على طرف المسجد هنا أو هناك؟ قال: لا.
قلت: فما الذي أعطاك الدليل؟ قال: يقولون: إنه قبل مدة طويلة كان فيه قبر.
قلت: سبحان الله! نبني أحكام الشرع على يقولون، هذه أحكام جائرة ما يجوز، تفسد عبادة المسلمين من أجل (يقولون)؟! المسجد الذي لا تجوز الصلاة فيه هو: المسجد الذي فيه قبر يُقدَّس ويدعَى وينذَر ويطاف به، ضريح موجود ومبني، إنما أرض كان فيها قبر أو لم يكن، ثم انتهى عنها حكم القبر، ونُقل القبر، أو انطمس القبر، أو اندثر القبر فالأرض كلها قبور يا إخوان، يقول الناظم:
ما أظن أديم هذه الأرض إلا من هذه الأجسادِِ
يقول:
طِر إن استطعت في السماء رويداً لا اختيالاً على رفاة العبادِ
لا تمشِ على رفاة الناس، الأرض كلها مملوءة من البشر، والذين ماتوا، والذين أكلهم التراب؛ لكن الشرع حرَّم الصلاة في مسجد فيه قبر ظاهر يُقدَّس ويعظَّم؛ لأنه سيُعبد من دون الله.
أقول للإخوة الشباب: ألا يتسرعوا في إصدار الأحكام، ولا في اقتباسها من الكتب، إنما لا بد من الرجوع إلى العلماء، والاستقصاء، والثقة في أهل العلم؛ حتى نعبد الله على بصيرة، ولا نشذ من السير، ويختطفنا إبليس من طريق السنة والجماعة إلى مثل هذه الطرق التي هي طريق الخوارج الذين قال فيهم الرسول: (إنكم تحقرون عبادتكم إلى عبادتهم -يقرءون القرآن، ويقومون بالعبادة، ويكفرون بالمعصية- لكنهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية).
ولا يعني هذا أن يُتهم كل شاب مسلم بمثل هذا، فإن من الجهلة من يسمع هذا الكلام، فيتصور أن كل شاب مؤمن ومهتدٍ وملتزم أنه ربما يكون من هؤلاء، لا.
من تصور فقد افترى؛ لأنك تنسب مؤمناً إلى فرقة كافرة، وهذا -والعياذ بالله- خطر على عقيدتك؛ إنما من اعتقد عقيدة الخوارج، والحمد لله أنه ليس في مجتمعاتنا أحد منهم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يبصرنا وإياكم بالدين، وأن يزينا وإياكم بالإيمان، إنه على كل شيء قدير.
والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.