[طلب نعيم لا موت فيه]
إن الإنسان في أول الحياة يتعب، ويكد ويكدح ويدرس السنين الطوال، فإذا ما كبر أولاده وأصبحت الأموال في قبضته، والأولاد في خدمته، والمجتمع كله يقدره ويجله؛ إذا بالموت يهدم عليه كل شيء.
لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر
تزينت له الدنيا من كل ناحية ثم فجأة يأتي الموت.
يقول الحسن البصري رحمه الله: [أبى الموت إلا أن ينغص على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيماً لا موت فيه! قالوا: أين يرحمك الله؟ قال: في الجنة!] قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:١٠٨] أي: غير منقوص.
فعلى المسلم العاقل الحازم أن ينتبه! لماذا أتى إلى هذه الدنيا؟ وما الذي أراده الله من خلقه؟ أخلقك الله -أيها المسلم- من أجل أن تأكل وتشرب كما يأكل الحيوان ويشرب؟! أم من أجل أن تمسي وتصبح، تنكح، وتأكل وتشرب، وتنام وتستيقظ، ويكون همك محصوراً في هذا؟ إذا كنت كذلك فاعلم أن الأنعام أيضاً همها محصور في هذا، قال عز وجل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢].
أما المؤمنون فإنهم يدركون أن الله خلقهم لشيء غير هذا، يعرفون أن الله أوجدهم لطاعته، وخلقهم لعبادته، فهم يبذلون الليل والنهار، والسر والجهار، والأموال الطائلة، والأعمار الطويلة كلها في طاعة الله تبارك وتعالى، حتى إذا ما جاء الرحيل من هذه الدنيا؛ إذا بهم ينتقلون إلى دار الآخرة، وقد ملئوها بالعمل الصالح، يقول ابن القيم رحمه الله:
فحي على جنات عدنٍ فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيمُ
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونُسلمُ
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرمُ
وأي اغترابٍ فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداءُ فينا تحكمُ
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدمُ
فكن أيّماً عمن سوها فإنها لمثلك في جنات عدنٍ تأيمُ
وكن مبغضاً للخائنات بحبها لتحظى بها من دونهن وتكلمُ
إذا أردت الجنة -يا أخي المسلم- فأعد لها من الآن، ولا تغفل عن طاعة الله تبارك وتعالى حتى إذا نزل الموت إذا بك مفلس من العمل الصالح.
إذا جاء الموت، ورأيت الحقيقة، وقامت عليك الحجة، ورأيت مقعدك من الجنة أو من النار، ونظرت إلى الأولاد وهم يتبرءون منك، ونظرت إلى الأموال وهي لا تدفع عنك شيئاً، ونظرت إلى الأقارب وهم يمسكونك بأيديهم ويقلبونك على فراش الموت، ما يملكون حيلة في تلك اللحظات، ويتمنى الإنسان أنه يرجع إلى الدنيا، يقول الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠١].