للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة إسلام سعد وجوانب من سيرته]

إذا وضع المؤمن في القبر، وفي الظلمة يحصل له ضمة، لكنها ليست عذاباً، إذ أن سعداً ليس من أهل العذاب، فهو مشهود له بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام، ومن كبار الصحابة، وأسلم مع السابقين، وكان إسلامه فتحاً ونصراً للإسلام والمسلمين؛ لأنه أسلم على يد مصعب بن عمير، وكان مصعب بن عمير أول سفير يرسله الرسول صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى الله، فأرسله إلى المدينة، وجلس يعلم بعض رجالها، فلما سمع سعد بن معاذ به أرسل إليه أسيد بن حضير، قال: أسكته، فإن سكت وإلا فأت برأسه -ليس عندهم لعب- فذهب إليه، فقال له: اسكت، قال: اسمع ما نقول: فإن أعجبك وإلا كففنا عنك، قال: لقد أنصفت، فقرأ عليه من القرآن، فلما انتهى، قال: ماذا يقول من يريد أن يدخل في دينكم؟ قال: يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قال: إني ذاهب إلى زعيم القوم، فاصدق الله فيه فإنه إن يُسلِم تُسلم المدينة كلها، يقول: أي ادعو الله أن يهديه، أدعوه بإخلاص وبيقين وبصدق.

فذهب إلى سعد بن معاذ وقال له اذهب أسكته أنت، فغضب سعد، وكأنه استشف أن مصعباً رفض أنه يسكت، فأخذ حربته وسيفه وقدم على مصعب يريد قتله، فقال له: تسفه الأحلام وتغوي الأبناء، اسكت، قال له: يا هذا اسمع ما نقول، فإن أعجبك ما نقول وإلا كفننا عنك -وكانوا عقلاء، عندهم إنصاف- قال له: لقد أنصفت، فجلس عنده، وسمع منه ما سمع من القرآن الكريم، فقال: ماذا يفعل من يريد أن يدخل في دينكم؟ قال: يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم رجع، ثم جاء إلى قومه قال: ما أنا فيكم؟ قالوا: أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، قال: فكلامكم وطعامكم وشرابكم عليّ حرام إن لم تأمنوا بمثل ما آمنت به، فما أمسى بيت من بيوت عبد الأشهل إلا وقد دخله الإسلام في تلك الليلة.

هذا إنسان عظيم من كبار الصحابة، كان في الجاهلية صديقاً لـ أمية بن خلف، وكان أمية بن خلف زعيم الكفار وصنديداً من صناديدهم، إذا ذهب إلى الشام يمر على المدينة فيجلس عند سعد؛ لأنه زعيم الأوس، وكان إذا اعتمر سعد بن معاذ أو ذهب إلى مكة لزيارة الحرم والطواف بالبيت على طريقة الجاهليين يجلس عند أمية، فبعد أن أسلم سعد ذهب إلى مكة ليعتمر، ونزل عند أمية صديقه، فلما نزل عنده قال: ما جاء بك؟ قال: جئت معتمراً، قال: اجلس حتى يضحي النهار ويخف الناس -يقول: ما أريد أن تطوف وأنا معك ويعرفون أنك قد آويت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأتي هكذا آمناً، اترك الناس يذهبون وبعد ذلك نطوف أي: نطوف خفية- قال: لا.

بل أطوف، وذهب يطوف، وبينما هو يطوف رآه أبو جهل -عليه من الله ما يستحق- فجاء إليه وأمسكه -ولكن سعداً بطل- قال له: أتطوف آمناً وقد آويت من آويت -تطوف ببيتنا وبيت الله وفي مكاننا وأنت آمن- قال: اسكت، والله لئن منعتني لأقطعن عليك التجارة من الشام فلا يمر لكم جمل من عندي -قول وفعل فقال أمية بن خلف لرفيقه سعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد الوادي.

ولما جاءت غزوة بدر وخرج كفار قريش لمحاربة الله ورسوله، خرجوا بحدهم وحديدهم وقضهم وقضيضهم، وقالوا: بعد أن سمعوا أن القافلة قد نجت، قالوا: والله ما نرجع حتى ننحر الجزور، ونشرب الخمر ونستأصل شأفة محمد، وتعلم العرب عنا، وترقص القيان بين أيدينا على بدر؛ لأنهم علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خيم على بدر فقام أمية وجاء إلى أبي جهل -لأنهم رفقاء- قال له: أريد منك أن تسمح لي قال: يا أمية! ماذا يقول الناس وأنت من رجال القوم وصناديدهم، ولكن اخرج معنا يوماً أو يومين، ثم ارجع، فخرج معهم، ولكنه لم يرجع؛ فقد قتله صحابة صلى الله عليه وسلم يوم بدر.