[الشهادة والرباط في سبيل الله]
أيضاً من الذين يأمنون يوم القيامة ولا يخافون ولا يفزعون: الشهداء والمرابطون: ففي الترمذي: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (للشهيد عند الله ست خصال) الشهيد هو الذي يموت لتكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الصحابة قالوا: (يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل في سبيل الله، فأيهم في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
فالشهادة يجب أن يُعْرف مفهومها، فالذي يُقْتل في سبيل الله شهيد، والمتردي شهيد، والحريق شهيد، والغريق شهيد، والمبطون شهيد، والمطعون شهيد، والمرأة الحامل التي تموت أثناء الولادة شهيدة؛ لكن بشرط أن يكونوا مؤمنين، وحصل لهم شيء من هذه الآفات والمحن، فهم شهداء، أما إذا كانوا فسقة وعصاة وغير مؤمنين، ووقع لهم شيء من هذه الأمور فهو عذاب عاجل وما عند الله أشد؛ لكنّ الشهداء هم الذين ماتوا في سبيل الله، أو المرابطون الذين يرابطون على حدود الإسلام والمسلمين، هؤلاء لا يخافون يوم القيامة، الآن حتى الفن أصبح له شهيد، مات العندليب الأصفر أو الأخضر أو الأسمر، فسموه شهيد الفن، ويموت لاعب في الكرة فيقولون: شهيد الرياضة، والآن يقاتلون ويعادون ويجرمون في الأرض ويقولون: شهداء، لا.
هؤلاء ليسوا بشهداء، هؤلاء ملاعين؛ لأنهم ملئوا الأرض جوراً وظلماً، وإذا ماتوا يقال لهم شهداء.
فالشهيد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
وللشهيد عند الله ست خصال: أولاً: يغفر له في أول دفقة من دمه لا تنزل أول قطرة في الأرض إلا وقد غفر الله له.
ثانياً: يُرى مقعده من الجنة عند الموت.
ثالثاً: يؤَمَّن من عذاب القبر: لا يأتيه في القبر فتنة ولا سؤال، سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) أي: أنه أخذ الفتنة مقدماً في الدنيا.
رابعاً: يأمن من الفزع الأكبر: إذا قام الناس من قبورهم يوم القيامة يقوم وهو آمن.
خامساً: يُكْسَى تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما عليها.
سادساً: يزوَّج اثنتين وسبعين حورية، ويشفع في سبعين من أقربائه، لا يدخل الجنة لوحده، بل يُرجع إلى الموقف ويأخذ سبعين من أهل بيته، كلهم قد استوجبوا النار.
والشاهد في هذا الحديث: أن الشهيد يأمن يوم القيامة من الفزع الأكبر، وهو الفزع الذي ينال الناس كلهم إلا من استثناهم الله.
ومثل الشهيد: المرابط الذي يرابط على ثغور المسلمين ولو لم يحارب؛ لكنه موجود، لو جاء الحرب فهو الأول، وإذا لم يكن هناك حرب فهو مرابط، فرباطه هذا يؤمِّنه يوم القيامة؛ لما روى الطبراني بسند صحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم خير من صيام الدهر، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر، وغذي عليه برزقه وريح عليه من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله) هذا أجر الذي يرابط في سبيل الله عزَّ وجلَّ.
ومن إكرام الله عزَّ وجلَّ للشهداء: أن الله يبعثهم وجروحهم تتفجر دماً؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ففي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يُكْلَم عبد في سبيل الله -والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك).
وجاء في سنن الترمذي وسنن النسائي وسنن أبي داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة -والفواق: فترة ما بين الحلبتين؛ لأن الناقة تحلب ثم تترك إلى أن يزداد لبنها، ثم تحلب مرة ثانية، فمن قاتل فترة زمنية قدر فواق الناقة- فقد وجبت له الجنة، ومن جُرِح جرحاً في سبيل الله أو نُكِب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت دماً، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك).