[معجزات الأنبياء وما يستفاد منها]
إن المعجزات التي يؤيد الله بها أنبياءه ورسله يستفاد منها أمران: أولاً: الإيمان بالله.
ثانياً: الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن ثبوت المعجزة يدل على أنها واقعة من الذي أرسل الرسول، فتقتضي المعجزة الإيمان بمن أوجدها وهو الله تعالى، وتقتضي صدق من جاء بها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا أرسل الله الرسل بالبينات، يعني: الشواهد والدلالات، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:٢٥].
وأيد الله كل نبي بالبينات بما يناسب حال الناس في وقته، ففي عهد موسى كان السحر على أشده، فأيده الله بالعصا تلقف ما يأفك السحرة، وفي عهد عيسى كان الطب متقدماً، ولكنهم عجزوا عن علاج البرص والعمى والكمه - والكمه: هو أن يولد الإنسان أعمى- وهذه الأمراض عجز الطب الحديث عن علاجها، فالله عز وجل أعطاه آية وهي أن يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى، كما أنه يحيي الموتى، حتى لا يقول أحد: إنه قادر على فعل ذلك، لذا جاءت المعجزة مقرونة بالتحدي.
وأما صالح عليه السلام فأرسله الله إلى ثمود وكانوا أهل إبل، وسكنوا مدائن صالح، فكانت آيته ناقة طلبوها هم، وقالوا: نريد أن تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، يعني: في الشهر العاشر؛ لأن الناقة تحمل من عشرة إلى أحد عشر شهراً، فاختاروها فانفلقت الصخرة وخرجت لهم الناقة، وقال لهم: هذه ناقة الله، لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم؛ فالماء لها يوم ولكم يوم، ولا تمسوها بسوء فعقروها فسلط الله عليهم بأن صاح فيهم جبريل صيحة قطعت قلوبهم في أجوافهم وأصبحوا جاثمين والعياذ بالله! أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد أيده الله عز وجل بمعجزاتٍ كثيرة، ألفت فيها مؤلفات منها كتاب: دلائل النبوة للبيهقي، ودلائل النبوة لأبي نعيم، كتاب البداية والنهاية لـ ابن كثير وتحدث عنها كثيراً في الجزء الثاني، وعدها بعض أهل العلم أكثر من ألف معجزة، أي: ألف دليل على أنه رسول من عند الله، ويعدّ أعظمها وأعلاها وأشدها القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:٥١] أي: أما كفاهم دليلاً على أنك رسول وجود هذا القرآن معك؟ فهو معجزة باقية؛ لأن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية.
فلو أتيت أحد اليهود قائلاً له: من نبيك؟ يقول: موسى؛ تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: العصا! إذن أين العصا؟ العصا ذهبت وكانت خبراً وانتهى.
تأتي إلى النصراني وتقول: من نبيك؟ يقول: عيسى.
تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: يحيي الموتى.
تقول: ولكن متى كان ذلك؟ يقول: في تلك الأيام الماضية.
لكن تأتي إلى المسلم فتقول له: من نبيك؟ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم.
تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: القرآن خذ، لماذا؟ لأنه رسول خاتم، ورسالته دائمة، فاقتضى الأمر أن تكون معجزته موجودة في كل وقت، دائمة خالدة باقية إلى يوم القيامة.
فأي منصف يريد الحق حين يقرأ القرآن يشهد أن لا إله إلا الله مباشرةً؛ لأنه ليس بمعقول أن يكون هذا القرآن من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الرجل الذي لم يقرأ ولم يكتب حرفاً واحداً، ولو وضعت (أب ت) أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقلت: ما هذه؟ فإنه لا يعرف ألفاً ولا باءً، ولكنه معلم الإنسانية، ومعلم البشرية كلها، يقول الله عز وجل فيه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} [العنكبوت:٤٨] يعني لا تقرأ: {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت:٤٨] يعني: لا تكتب، لماذا؟ قال: {إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:٤٨] لو أنك كاتب وقارئ لحصل عندهم ريب وشك وقالوا: هذا كاتب، وهذا من بنات أفكاره، ومن تأليفه، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:٤٩] هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أميته دليل إعجاز، ودليل على نبوته وشاهد على أنه رسول من عند الله عز وجل.
وللرسول صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة، سنعرفها إن شاء الله من خلال السيرة.