[إطلاعه صلى الله عليه وسلم على اجتماع عمير بن وهب مع صفوان بعد بدر]
ومن معجزاته أيضاً: ما وقع بعد غزوة بدر، لما انتصر المسلمون في غزوة بدر ورجع الكفار مهزومين وكان لهم أسرى في المدينة، فجلس اثنان من الكفار في حجر إسماعيل بجوار الكعبة، وكان الأول هو صفوان بن أمية وقد قتل أبوه أمية بن خلف في غزوة بدر، ومعه عمير بن وهب الجمحي وقد أسر ولده، فتذاكرا ما أصابهم في بدر من هزيمة، فقال عمير: والله لولا دينٌ عليَّ وعيال عندي لذهبت إلى محمد في المدينة وقتلته، وهذا عمير اسمه شيطان الجاهلية، ومعروف بشراسته، وبطل مغوار، فاستغلها صفوان؛ لأن أباه قد قتل في بدر، فقال لـ عمير: دينك عليَّ -أتحمل دينك- وعيالك مع عيالي أواسيهم ما وسعني ذلك، قال عمير: إذن اكتم عليَّ، حتى لا يدري أحد، ثم ودعه وخرج إلى البيت وأخذ السيف وشحذه ثم سمه، وكان العرب إذا شحذوا السيف بالسم أوقدوا عليه في النار إلى أن يكون مثل الجمرة، ثم يطفئونه في الماء الذي فيه سم، فيشرب الحديد السم فيصبح السيف مسموماً، وأقل ضربة في أي جزء من الجسم يدخل السم منها ويتسمم الجسم ويموت، فَسَمَّ السيف ثم لفه في خرقة وجعله بين جلده وثوبه.
ثم سرى من ليلته حتى وصل إلى المدينة، ولا يعلم بخبره أحد في الأرض إلا صفوان؛ لأنها مؤامرة يريدون تطبيقها واغتيال النبي صلى الله عليه وسلم فما أخبروا أحداً، ودخل المدينة بعد العصر وربط ناقته بجوار المسجد ثم دخل، فلما رآه عمر وكان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر ينظر بنور الله، والحديث في الصحيحين يقول: (إن يكن في أمتي محدثون فإن منهم عمر) (محدَّث) أي: ملهم، فلما رآه قال للصحابة: هذا عدو الله عمير، والله ما أراه جاء إلا لشر، ثم قام إليه وأمسكه من تلابيب رقبته.
فجاء به وهو يمسك بتلابيبه حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (هذا عمير يا رسول الله! قال: أطلقه، فأطلقه، قال: ماذا تريد يا عمير؟ قال: جئت أفتدي أسيري عندكم، يعني ولدي أسير، قال: اصدقني يا عمير، قال: ما هو إلا ذاك، قال: ولِمَ السيف؟ -والسيف مخفي لكن الله أطلع الرسول عليه- قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا يوم بدر شيئاً -يقول: ما نفعتنا يوم بدر، فليس فيها بركة- قال: اصدقني يا عمير، قال: ما هو إلا ذاك، قال: لا يا عمير! بل جلست أنت وصفوان في حجر إسماعيل وتذاكرتما ما كان منكما في بدر فقلت أنت: والله لولا دينٌ عليَّ وعيالٌ عندي لذهبت إلى محمد فقتلته، فقال صفوان: دينك عليَّ وعيالك مع عيالي أواسيهم ما وسعني ذلك، فقلت أنت: اكتم عليَّ وذهبت وأخذت سيفك وشحذته وسممته وجعلته بين جلدك وثوبك وجئت لتقتلني، والله حائلٌ بيني وبينك، فقال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والله ما أخبرك بهذا إلا الله) يقول: ليس في الدنيا أحد يعلم بهذا الأمر، لكن هناك (فاكس) رباني جاء من السماء يفضح الفضيحة ويكشف المؤامرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أطلقوا أخاكم وأطلقوا له أسيره كرامة له، وعلموه أمور دينه).
فرجع مسلماً، وكان صفوان جالساً في مكة، ويقول لمن عنده: يوشك أن يأتيكم خبر يسركم، ويوم جاء الخبر وإذا بـ عمير جاء بنفسه، ما هو الخبر؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: بئس ما فعلت، قال: هذا رسول الله، وأصبح عمير من حواري الإسلام بعد أن كان شيطان الجاهلية، ونصر الله دينه في كل موقف كان قد خذله فيه هو وابنه رضي الله عنهما.
فهذه طرف من معجزاته صلى الله عليه وسلم وإلا فالمعجزات كثيرة وسوف نتحدث عنها في السيرة بشكل أكبر بإذن الله عز وجل.
فهذه -أيها الإخوة- أهداف دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن لا ندرس السيرة للحكايات، فليست قصصاً نضيع بها الأوقات، ونقطع بها الزمن، بل هي عبر، وآيات، وحكم، ومواعظ، وأحداث، نتعلمها من خير البشر، وأكرم الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم.
وسوف نواصل هذه الدروس إن شاء الله في كل شهرٍ مرة، وسنبدأ إن شاء الله في بدء الوحي وما يعقب ذلك من الأحداث.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم وفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وطلبة العلم فينا وشبابنا وفتياتنا وجميع المسلمين إلى خدمة هذا الدين، والدعوة إلى هذا الدين إنك ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.