للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنزال القرآن الكريم]

أنزل الله القرآن رحمة للعالمين، وتصوروا -أيها الإخوة- لو أننا نعيش بغير قرآن، كيف ستكون حياتنا؟! إنها والله حياة بهيمية، إن أسوأ حياة يعيشها الإنسان يوم يعيش مقطوعاً عن الله، لا تتصوروا أن أصحاب الحضارة الغربية والشرقية التي قامت بتقديس المادة، وتدنيس وتدمير الإنسان أنهم في سعادة، لا والله! هم في الحقيقة في سعادة مادية؛ لكنهم في عذاب داخلي، ويعرف هذا عقلاؤهم؛ يقررون ويكتبون ويتوقعون معضلات تحصل بسببه، وما حصل بسببه الآن فهو معروف: الانتحار المخدرات الأمراض النفسية التحلل الأسري التفكك الاجتماعي الجنون المسرحي الجنون الكروي كل هذه مظاهر، جاءت بسبب انقطاع الناس عن وحي السماء؛ يعيشون بغير قرآن، يعيشون كما تعيش البهائم والأنعام، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢]، كما تأكل البهائم؛ لكن ليسوا بهائم في الأصل، هم أناس، خلقهم الله للعبادة، فعطلوا هذه الوظيفة واشتغلوا بما اشتغلت به البهائم، فقصروا أرواحهم على عيشة ما خلقت لها، عيشهم يجب أن يكون على دين؛ لكنهم جعلوها حيوانية، ولهذا هم يعذبون أنفسهم، فهم الآن في عذاب لا يعلمه إلا الله، من أين جاء هذا العذاب؟ بسبب حرمانهم من وحي السماء.

والله سمَّى القرآن رحمة، يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} [يونس:٥٧]، {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [يونس:٥٧] وهو القرآن، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:٥٧] ما هو الذي في الصدور؟ القلوب، إن الله تعالى يقول: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي} [الحج:٤٦] أين؟ {فِي الصُّدُورِ} [الحج:٤٦] وليس المقصود هذا الذي يضخ الدم، لا.

هذا القلب مادي، لكن القلب المعنوي: هو القلب الذي يفقه عن الله ما الذي يشفيه، ويجعله حياً يخاف من الله ومقبل إليه؟ هنا القلب القرآن شفاء له؛ لكن كيف يأتيك الشفاء وأنت معرض عن القرآن؟! الأمة الآن مريضة؛ لأن القرآن ليس في حياتها، إذا مرَّ الواحد على القرآن في الإذاعة أقفله، وإذا مرَّ على الأغنية قام يلعب ويرقص، كيف يأتي الشفاء؟ هذه مصيبة الأمة، فالشفاء في كتاب الله تعالى، قال عزَّ وجلَّ: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٧ - ٥٨].

{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} [يونس:٥٨] أي: بإنزاله القرآن، {وَبِرَحْمَتِهِ} [يونس:٥٨] أي: بالقرآن، {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨] إن كان عندك هذه الرحمة والفضل والقرآن فلتفرح، وإن كنت محروماً من هذا الفضل والقرآن فلا تفرح؛ لأنك ضيعت الشيء الذي بسببه تحصل الفرحة: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨].

ويقول عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:٥٢].

ويقول عزَّ وجلَّ: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ} [الأنعام:١٥٧] أي: لا أَظْلَمَ، إذا سمعتَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ} [الأنعام:١٥٧] أي: لا يوجد أحد أظلم من صاحب هذا الظلم وهذا الفعل {مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام:١٥٧] أي: أعرض عن آيات الله المقروءة أو المنظورة؛ المقروءة في القرآن أو المنظورة في الكون، {وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام:١٥٧] أي: تعامى وأعرض عنها، {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ} [الأنعام:١٥٧] أي: يعرضون {عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} [الأنعام:١٥٧].

فنزول القرآن رحمة.

اسأل نفسك: كم نصيبك من هذه الرحمة؟ كم تحفظ من القرآن؟ تحفظه كاملاً؟ إذن عندك (١٠٠%) رحمة.

تحفظ نصفه؟ إذن عندك (٥٠%) رحمة.

تحفظ عشرة أجزاء؟ إذن عندك (٣٣%) وهكذا، وإن كنت لا تحفظ شيئاً فعندك (٠%).

بعض الناس لا يحفظ حتى آية، لكنه يحفظ مليون أغنية! هذا عنده (١٠٠%) عذاب بدلاً من الرحمة.

خلقك الله لتعمل بكتابه؛ من أجل أن تقرأ وتعمل بالقرآن الكريم هذا رحمة، كم عندك؟! اسأل نفسك: كم عند زوجتك من القرآن؟! كم عكست ما عندك إلى أهلك؛ عند بنتك وولدك وجماعتك؟! لأنه الرحمة، فيجب أن يستفيد الناس من الرحمة التي فيك؛ لكن الذي ما عنده رحمة في نفسه كيف يكون في الناس رحمة له وقد حرم نفسه من الرحمة العظيمة التي أنزلها الله رحمة للعالمين، وهي هذا الكتاب الكريم؟! فنزول القرآن رحمة من الله، كما قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٨].