[مرض الشهوة]
المرض الثاني: مرض الشهوة، وهذا وإن كان خطيراً إلا أنه أخف من الأول، قال ابن القيم: وهو مرضٌ يورث تقديم الهوى على أمر الله، فإن الإنسان يحصل في قلبه صراع بين شهواته وبين أوامر الله.
ومن أمثلة ذلك: شهوة النوم عن صلاة الفجر، أحسن النوم عند الإنسان نوم الفجر، لكن في هذا الوقت أمر الله بالصلاة في المسجد، فيحصل صراع بين أمرٍ لله، وشهوة للنفس بالنوم، فماذا يحصل عندك؟ إن كان قلبك مريضاً نِمتَ، وإن كان قلبك سليماً قمت للصلاة، ولهذا يفترق الناس في صلاة الفجر بين سليمٍ ومريض، المريض هو المنافق، يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاتي العشاء والفجر) وإذا أردت أن تسأل وتعرف هل أنت مسلم أو منافق فاسأل نفسك عن صلاة الفجر، إن كنت من أهلها بالتزام؛ فاعلم أنك مؤمن، وإن كان (البعيد) لا يعرف صلاة الفجر فليعلم أنه منافق، وليس بينه وبين عذاب الله إلا أن يموت، لماذا؟ لهذا الحديث: فإنه فرق بيننا وبين المنافقين بصلاة الفجر، ولذا نرى أقل نسبة في صلاة المسلمين في صلاة الفجر، لماذا تصلي المغرب والعشاء ولا تصلي الفجر؟ لأن القلب مريض، ولو أن القلب سليم لصلى صاحبه مباشرة، ولو أُعلن أن من صلى الفجر في المسجد جماعة فله مائة ريال، هل يصلي في البيت أحد؟!! والله لا ينامون إلا في المساجد، خاصة (الشيبان)، سوف ينامون في الصف الأول، وإنه سيأتي هو وأولاده يأمرهم بالصلاة، لماذا؟ من أجل مائة ريال!! لكن الآن يصلي وأولاده لماذا لا يصلون؟ قال: يهديهم الله، لكن إذا أتت المدرسة من يهديهم: الله أو العصا؟ العصا تهديهم، فتوقظه للمدرسة، لماذا؟ لأن حب المدرسة وحب الدنيا في قلبه، يقول: قوموا ادرسوا لكي تكونوا رجالاً، لتتخرجوا من المدارس وتحصلوا على وظائف، ولا تصبحوا ضائعين؛ لكن لا تقوموا تصلوا، (دعْهُ ينام مسكين!) مسكين عن الصلاة! لا حول ولا قوة إلا بالله، لماذا؟ لأن القلب مريض والعياذ بالله.
الشهوة هنا هي التي تتصارع مع الأمر الرباني، فإذا غلب أمر الله شهوتك فقلبك سليم، وإذا غلبت شهوتك أمر الله فقلبك مريض.
- شهوة الأغاني تتعارض مع أمر الله في حفظ السمع، فإن كنت حفظت سمعك وتركت هذه الأغنية فقلبك سليم، وإن كنت ممن يسمعون فقلبك مريض، وكل الشهوات قِسها على هذا؟ إذاً: كيف تعالج؟! قلنا: إن علاج مرض الشبهة في اليقين، وعلاج مرض الشهوة بالصبر على صلاة الفجر، فالذي يصلي الفجر يتعب لكن عليه أن يصبر والله يعينه، نعم.
لا يوجد إنسان يقوم يصلي الفجر إلا ويحس بتعب؛ لأنه يقوم في وقت يحتاج فيه إلى النوم والراحة والدفء، ولكن يغالب نفسه ويقوم يصلي، لكن هل يبقى معه شيء من التعب؟ فالذين صلوا الفجر من قديم هل بقي معهم شيء من التعب؟ ذهب التعب كله وبقي الثواب، والذين ناموا عن صلاة الفجر ارتاحوا لكن هل بقي شيء من الراحة؟ ذهبت الراحة وبقي العذاب.
وهكذا الدنيا ستنتهي ملذاتها كلها، وتنتهي الصعوبات كلها، وتجد نفسك في يوم من الأيام أمام جدار اسمه الموت.
تصطدم فيه اصطداماً غير متوقع، ثم تنزل في محطة اسمها القبر، ثم يُقال لك: خذ كشف الحساب ويوم القيامة يقال لك: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:٢٩] وقال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:٤٩] يقول المؤمن: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:١٩] وذاك يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:٢٥] يا ليتني ما رأيت الفضائح التي فيه، كل فضيحة عملتها موجودة في هذا الكتاب: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:٢٦ - ٢٧].
وحتى تتغلب على مرض الشهوة عليك أن تتسلح بسلاح الصبر، اصبر على أوامر الله، واصبر عن المحرمات، والشجاعة كما يقولون: صبر ساعة، اصبر قليلاً، وأنت لو لم تصبر على المذاكرة لا يمكن أن تنجح، ولو لم تصبر على تعب العمارة هل يمكن أن تبني؟ ولو لم تصبر على جمع المال حتى تشتري سيارة، هل يمكن أن تشتري سيارة؟ إذاً: لماذا لا تصبر على الدين؟ تصبر على كل شيء إلا على الدين! فلا بد من الصبر أيها الإخوة! ولهذا فإن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، ولا دين لمن لا صبر له، كما أنه لا حياة لمن لا رأس له.
وقد ذكر الله في القرآن الصبر في أكثر من تسعين موضعاً، وأمر الله به، وأمر به الرسول، يقول الله للرسول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٣٥] {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٦] {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠] إذاً لا بد أيها الإخوة! -حتى نعالج ونواجه الشهوات- من الصبر؛ لأن هذه الشهوة مركبة فينا، والله يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:١٤] حتى الملتزم في نفسه دافع للشهوات، لكن لما غلب نفسه بالصبر فكانت نفسه تذل، ولو أعطى لنفسه فرصة وتخلى عن الصبر لوقعت في الشهوات فيختلف الناس من رجل لآخر بحسب ما عنده من الصبر، وهنا يثبت في الميدان أهل الإيمان، فيصبرون على طاعة الله، ويصبرون عن معصية الله، ويصبرون على أقدار الله المؤلمة.
وابن القيم رحمه الله يتحدث في هذا الموضوع بكلام عجيب، ويقول: الصبر ينقسم من حيث هو إلى ثلاثة أقسام: صبرٌ على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبرٌ على الأقدار المؤلمة.
ثم ينقسم مباشرة من حيث العبد إلى ثلاثة أقسام: صبرٌ وتصبرٌ واصطبار، صبرٌ في البداية، تصبر في تعب، اصطبار هو التلذذ بالبلوى باعتبارها اختيار المولى.
يعني تتلذذ وأنت تمارس شيئاً من أوامر الله، أو تترك شيئاً من معصية الله، هذه منزلة لا تبلغها إلا بعد تعب.
ثم قال: وهو ثلاثة أقسام من حيث تعلقه بالآخرين: صبرٌ بالله، وصبرٌ عن الله، وصبرٌ لله، يقول: وأسوءها الصبر عن الله.
صبر بالله أي تصبر مستعيناً بالله، وصبر لله أي من أجل الله، وصبرٌ عن الله وهو أسوأ أنواع الصبر أن تشغل نفسك بما يصرفك عن الله، مثل من يشتغل الآن بالأغاني، وبالأفلام والمسلسلات، من أجل أن يصبر عن الله، لا يريد ذكر الله، ولا يريد أخذ نفسه لحظة إلى الله، فهو يتصبر بهذه الشهوات وبهذه الملهيات، وبهذه الفتن، لماذا تتصبر؟ قال: دعنا نعيش، يتصبر عن من؟ عن الله، الله خلقك له فتتصبر عنه، لا حول ولا قوة إلا بالله.
فهذا المرض الثاني مرض الشهوة.