للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجود المحبة والرحمة بين الزوجين]

ثم جعل الله بعد ذلك مودة ورحمة، فالمودة: هي الحب، وهو أكسير الحياة وطعمها ولذتها، والحياة الزوجية إذا خلت من هذا تصبح حياة جافة، حياة فيها نوع من الجفاف، وتصبح شكلية، ورسميات بين الزوج والزوجة، ليس فيه محبة، وبالتالي تكون العشرة غير حسنة.

لكن إذا وجدت المحبة فإن هذا يزيد في الألفة ويزيد في القربة، وإذا عدمت المحبة فلم تعدم الرحمة، ولهذا لما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يريد أن يطلق زوجته، فجاء يستشيره، فقال له عمر: [لا تطلقها، قال: لست أحبها، قال: أوكل الزواج يبنى على الحب؟ أين الرحمة] إذا ما أحببتها ارحمها، إلا إذا شعرت بعدم رغبتك فيها وحبك لها، وطلبت هي منك أن تطلقها فهذا أمر آخر؛ لأن بعض النساء تدرك أنها غير محبوبة عند زوجها، وترى أن هذا نقصاً فيها فلا تريد أن تعيش مع رجل لا يحبها.

{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:١٣٠] فالتطابق مستحيل، ولذا يجب أن تعرف أنه لا بد أن يكون هناك فروق، وبالتالي لا بد من وجود المشاكل الزوجية، ولا يمكن أن يخلو منها بيت، ليس هناك بيت في الدنيا مثالي (١٠٠%) لا يحصل فيه خلاف، حتى أكرم البيوت، بل وأفضل بيت على وجه الأرض حتى بيت المربي الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدث فيه بعض الخلافات، حتى ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل بينه وبين زوجته وحبه -أحب الناس إليه-: عائشة رضي الله عنها خلاف، فدعا والدها -أي: دعا أبا بكر من أجل أن يصلح الخلاف، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، قامت وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: [أقسم عليك بالله لا تتكلم إلا بالحق] تقول للرسول صلى الله عليه وسلم، فتدخل أبو بكر في البداية وضربها على وجهها قال: [قاتلك الله يا عدوة نفسها، وهل يقول رسول الله إلا الحق] تحلفين عليه لا يقول إلا الحق، وهل يمكن أن يقول باطلاً -صلوات الله وسلامه عليه- فشردت بعدما ضربها ولاذت بظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما لهذا دعوناك) يقول: دعوناك لتصلح ما دعوناك لتضربها يا أبا بكر، اللهم صل وسلم على رسول الله.

فالخلاف يقع بين الزوجين، ولكنه خلاف وقتي تمسح آثاره، وتنتهي معالمه، وتستمر العشرة الزوجية، ولا يطور ولا يصعد؛ لأنه يحصل الخلاف فيستُوعب إما من الزوج أو من الزوجة.

المشكلة تبدأ مثل عود الكبريت، فماذا يحصل إذا أشعل عود الكبريت في البيت، وماذا يحصل في الأسرة؟ كلهم يسارعون إلى إطفائه، لكن إذا أشعل كبريت وقاموا كلهم ينفخون عليه ماذا يصير؟ حريق، كذلك المشكلة.

المشكلة عود كبريت يجب على الزوج أن يطفيه، والمرأة تطفيه، والأب يطفيه، والأم تطفيه، والأسرة كلها تطفيه فتخمد، لكن تشعل عود الكبريت فيشعله الرجل أو المرأة، فيأتي الرجل لينفخ فيذكي، وتأتي المرأة لتنفخ فتذكي، وتنتقل الخلافات إلى الأسرة، فيأتي أبو الزوجة، وانظروا إلى أبي بكر جاء يطفئ المشكلة، ما جاء يصعدها، فتستوعب المشاكل عن طريق التعاون بين الأسرة، وبين الأفراد حتى لا تتفاقم وتتصاعد وتتضاعف هذا شيء.

والشيء الآخر بالنسبة للمشكلة أو الخلاف الزوجي، أنها تعطي الحياة الزوجية نوعاً من التجديد والطعم؛ لأنها كما يسميها المربون، فيقولون: إن الخلاف الزوجي ملح الحياة الزوجية، إذا خلت الحياة الزوجية من الخلافات البسيطة سمجت، ولذا ترى أنت عندما تجلس أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، وأنت صافي لبن، ما شاء الله! لا توجد مشكلة تحس بنوع من الملل، لكن عندما تحصل مشكلة، وتغضب أنت وتغضب هي وتجلس يومين أو ثلاثة وبعد ذلك تتقابلون كأنكم جدد، تجددت الحياة، فهي مثل الملح، لكن الملح في الحياة يجب أن يكون بمقدار، أنت حين تطبخ أرزاً تضع عليه ملحاً، لكن المصيبة أن بعض الناس يكثر من الملح، يريد أن يحصل مشكلة بسيطة، بدلاً من أن يمكث لها غضبان ساعة يمكث غضبان شهراً، وبدلاً ما أن يتكلم كلمة لعلاج المشكلة يتكلم بالعصا فيضرب، وبدلاً من أن يعالج بأسلوب بسيط، يعالج بأسلوب أصعب، فلا يصلح للحياة ملح الآن؛ لأنها أصبحت مشكلة.

لذا -أيها الإخوة- من الأهمية بمكان حتى يسعد الإنسان في الدنيا ويسعد في الآخرة لا بد له أن يستوعب هذه المشاكل والخلافات، وأن يوسع لها صدره، وأن يتحملها ثم يبحث عن العلاج الذي سوف يذكره الشيخ، ونضع ميزاناً واحداً وهو أن تنظر بمنظار التوازن والعدل، لا تنظر إلى عيوب المرأة، انظر إلى حسناتها، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة، فالمرأة دائماً ليست كلها عيوب، وليست كلها حسنات، وإنما فيها حسنات وفيها عيوب، فإذا أردت أن تنظر فانظر بمنظار كامل، انظر فيها أنها صوامة، وقوامة، وحافظة لعرضك، وأنها دينة، ومصلية، وأنها لا تخرج إلا بأمرك، وأنها تغسل ثيابك، وأنها تطبخ طعامك، وأنها تربي ولدك، أي أنها خادمة لك في البيت.

فإذا نظرت إلى هذه الحسنات منها، ونظرت إلى الجانب الثاني إلى أنها قد تعصيك، أو قد تخالف أمرك، فتوازن بين ما تكره منها وبين ما تحب، ستجد أن ما تحب أكثر فتنسى ذلك، لكن بعضهم يوسع عينه كاملة على ما يكره من المرأة، ويغمض طرفه كاملاً عن حسناتها، ولا يعرف لها حسنة، فلا يرى منها إلا السوء، وبالتالي يعاملها على هذه الرؤية، وعلى هذا الأساس فتزداد المشاكل وتسوء العشرة، وتتفاقم الخلافات، وتحصل الكوارث وربما تنتهي إلى الخلاف والفراق والطلاق -والعياذ بالله- وهذا كله من سوء التدبير، وعدم اتباع النصائح والإرشادات النبوية الكريمة التي جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.