كنت في طريقي من العمرة إلى أبها، ووقفت في الطائف أمام صاحب بنشر، من أجل أن أزيد هواء إطار السيارة، يعني: كنت ألاحظ أن في إطارات السيارة نقصاً، فبينما البنشري يعبئ، وأنا ماشٍ على سفر ومعي أهلي، رأيت شيبةً يبلغ ربما سبعين أو ثمانين سنة، قد حلق لحيته وشنبه؛ لأن اللحية تستر الرجال سواء كان مسناً أو شاباً؛ لأنه إذا كان شاباً وحلق لحيته شوهته، لأنه يتشبه بجنس ثانٍ، وإذا كان مسناً وحلق لحيته، أخرجت تجاعيد وجهه، وصار كأنه كاهنة، ولكن لو أبقى لحيته لكان مستوراً بها، فاللحية ستر، فهذا الرجل مجعد الوجه، ومحلوق اللحية، ومدخن، فسرت إليه، وقبل أن أصل إليه قلت: أنا ماش، وهذا المسكين مسلم، لماذا لا أنصحه؟ أليس الله أمرني بأن آمر بالمعروف؟ فتأثماً جئت إليه وبدأته بأحسن أسلوب، قلت له: السلام عليكم وأنا أبش في وجهه، قال: وعليكم السلام، قلت: بارك الله فيك، ووفقك الله، ونور الله بصيرتك، أنت من أهل الخير، انظر نور الإيمان في وجهك -وأنا لا أحبه والله؛ لكن قلت: لعل الله أن يهديه- وأنت أمد الله في عمرك، وأخرك في حياتك، ذهب الشباب وولى، وذهب الطيش والجنون، والآن جاء المشيب، الآن تقطف ثمرات عمرك تتوب إلى الله وتستغفر، وأنا مسافر ورأيتك تدخن، فحزنت عليك، وانظر إلى أهل السوق كلهم يدخنون، ما كلمت أحداً منهم إلا أنت؛ لأن النور في وجهك، وأنت غريب، والمفروض ألا تشرب الدخان.
أنا كنت أتصور بعد هذا الأسلوب الجميل العظيم؛ أنه أقل ما يمكن؛ أنه يقول لي من باب المجاملة ومن باب الحياء: جزاك الله خيراً.
وهذه الكلمة لا تكلفه شيئاً، وأنا سأقول: الله يوفقني وإياك، لكن أتعرفون ماذا قال لي هذا الشيخ العجوز، هداه الله وجميع المسلمين؟ هز رأسه وقال: عجيب أنت يا مطوع! اذهب اذهب أنت عاطل ليس عندك عمل، امش، الحقيقة لما قالها قلت: لم ينفع الهدوء معه، والكلام الحسن، وأن له قلباً خبيثاً، وصار في رأسي مثل الكهرباء، وجعلت أتلفت كيف أتخلص من هذا الموقف، كان باستطاعتي أن أضرب ذاك الشيخ العجوز؛ ولكن قلت له: اسمع، قال: نعم، قلت: بإمكاني أن أنتصر لنفسي من هذا الكلام، لكن أحيلك على من ينتصر لي يوم القيامة، ونسأل الله أن يهديه إن كان حياً، وأن يتوب عليه إن كان ميتاً.