يقول عزَّ وجلَّ وهو يخبر عن مثال يضربه للناس في قضية الإحياء بعد الموت بالقياس على إحياء الأرض بعد موتها؛ لأن إنباتَ الأجساد يماثل إنبات الأرض إذا نزل الماء عليها، ولذا فإن الله قد أكثر في القرآن الكريم من ضرب المثل للبعث والنشور بإحياء الأرض بالنبات الذي ينبت عقِب نزول الغيث؛ لأنه مساوٍ له، يقول عزَّ وجلَّ:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ}[الأعراف:٥٧] سبحان الله! كيف يسوق الله الغيث؟! السحاب يأتي من هنا، يطلع من البحار، ثم يتخلل إلى السماء، ثم يرسل الله الرياح فتسوقه، ثم يقسِّمه الله على الأرض بحكمة وعدل، يقول الله عزَّ وجلَّ:{يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ}[الشورى:٢٧] أي: ما تنزل قطرة في الأرض إلا بتقدير من السماء، تجد السحب تمر على أبها وتمر على الخميس، وتذهب في وسط الصحراء فتُنَزِّل، لِمَ لَمْ تُنَزِّل هنا؟! لِمَ لَمْ تُنَزِّل في الخميس؟! لِمَ لَمْ تُنَزِّل في أبها؟! مَن الذي أوصلها إلى بيشة؟! مَن الذي أوصلها إلى وادي الدواسر؟! مَن الذي يسوقها؟! إنه الله تبارك وتعالى.
فالله هو الذي قال:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}[الشورى:٢٨].
فيقول عزَّ وجلَّ:{حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[الأعراف:٥٧] كما أحيينا الأرض بعد موتها نحيي الناس بعد موتهم.
أنت الآن عندما تأتي إلى شجرة بعد المطر، كانت غبراء والأرض كانت غبراء؛ ولكن بعد نزول الغيث وبعد أسبوع أو أسبوعين فتأتي وإذا بالأرض خضراء، وقد نبتت من تحت الشجرة زهور حمراء وزرقاء وخضراء وصفراء، ونباتات ملونة، يقول الله عزَّ وجلَّ:{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحج:٥] فأين كانت هذه البذور؟! في الأرض موجودة، ولماذا لم تنبت؟! لأنه ليس هناك ماء، فلما جاء الماء طلعت.
إذاً: بذور البشر الآن الذين قد ماتوا من آدم إلى يومنا، أين هي الآن بذورهم؟! موجودة في الأرض، لماذا لا ينبتون؟! لأنه لا يوجد ماء ينبتهم، إذا جاء ماؤهم من السماء نبتوا سواءً بسواء.