للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمانة الصلاة]

الأمانة الثانية التي بينك وبين الله الصلاة: أمانة استأمنك الله عليها وأمرك أن تقوم بها وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣] ولا أحد يدري أنك صليت أو لم تصلِّ، بإمكانك أن تجلس في الشارع وتذهب وتقول: صليت، بإمكانك أن تخرج من البيت ولا تذهب إلى المسجد وترجع وتقول: صليت، فهذه أمانة؛ إن حفظتها حفظك الله، وإن ضيعتها ضيعك الله، وضيعت نفسك أنت.

ويسبقها -أيضاً- الاستعداد لها بالوضوء والطهارة، فهما أمانة، والغسل من الجنابة أمانة، من يعرف أنك جنب أو غير جنب؟ لا أحد في الدنيا يعرف أنك على جنابة إلا الله! ولذا فهي أمانة، والوضوء الآن، من يدري أنك متوضئ ودخلت تصلي وأنت على وضوء أو على غير وضوء؟ لا أحد يعلم إلا أنت، إذ بإمكانك أن تقول: أنا متوضئ والناس لا يدرون، من يستطيع أن يقول لك: لا.

أنت غير متوضئ؟ سوف تقول له: ما أدراك؟ أنا أدرى بنفسي؛ أمانة بينك وبين الله! ولهذا فهي خيانة عظيمة أن تأتي تصلي وأنت غير متوضئ، كما نسمع من بعض الطلاب في المدارس أنهم يصلون الظهر وهم على غير وضوء، لماذا؟ من أجل المدير والمدرسين، هؤلاء خانوا الله والرسول وخانوا أماناتهم، فصلاتهم هذه ليست لله، بل هي شرك؛ لأنهم صلوا لغير الله، صلوا للمدرس أو للمدير والعياذ بالله! الصلاة هي حبل بينك وبين الله، ولهذا سميت صلاة، أي: صلة، وعلى قدر تمسكك بهذا الحبل يحسب دينك وأمانتك، وإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله، فاسأل نفسك عن منزلة الصلاة في قلبك، إن كانت الصلاة لها موضع وحب وإشراقة وفرحة في قلبك، بحيث إذا جاءت الصلاة قمت فرحاً مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ويقول في ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) قلبه في المسجد متعلق، جسمه في (الدكان) وحين سمع الأذان مباشرة جاء يصلي، ويقول في حديث في صحيح مسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) رواه مسلم.

تنتظر الصلاة بعد الصلاة؛ تصلي المغرب وأنت تنتظر العشاء، وتصلي العشاء وأنت تنتظر الفجر، وتصلي الفجر وأنت تنتظر الظهر، وتصلي الظهر وأنت تنتظر العصر، رباط مع الله! هذا هو المؤمن، وهذا هو صاحب الأمانة، لكن ذلك المضيع المفلس الخاسر الذي لا خير فيه، فالصلاة آخر شيء في اهتماماته، إن أتت صلَّى، وإن ذهبت ترك.

هذا مضيع للأمانة التي بينه وبين الله، ولهذا من حفظ الصلاة حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وآخر ما يفقد العبد من دينه الصلاة! آخر باب يخرج منه الإنسان الصلاة! وآخر موقع يخسره في الدين الصلاة! ولهذا جاء من حديث جابر في صحيح مسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)، وفي سنن أبي داود ومسند أحمد حديث بريدة بن الحصيب: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) هذه هي الصلاة، ولن نزيد على هذا حتى لا يفوتنا الوقت.