[أمور تعين على الصبر]
هناك أمور تعينك على الصبر لا بد أن يعرف كل عاقل أن الصبر مأخوذٌ من الصَبِرِ وأنه مر المذاق، ليس من العسل، ولا بد لهذه المرارة من معاناة، أنت تصبر على مرارة الدواء، وتصبر على وخز الإبرة، وتصبر على ألم العملية طمعاً في العافية والثواب، وهناك أمور تعينك على الصبر: - أولاً: معرفة طبيعة هذه الدنيا، أنها دار بلاء ومصائب، ليست دار جزاء، وليس فيها نعيم، بل جبلت كلها على كدر: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤] في معاناة وتعب، فإذا أرادت أن تكون على غير ما أرادها الله، لا تستطيع.
أنت لست الذي خلقها، الله الذي خلقها، فوطن نفسك على أن تعتبرها دار بلاء ومصائب، فكلما أتت مصيبة وأنت مستعد لها وإذا بها خفيفة، لكن إذا لم توطن نفسك على المصائب، تأتيك المصائب فتتعبك، يقول:
إن لله عباداً فطناً طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا
والله يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤].
ويقول الناظم الرندي رحمه الله:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الحياة كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
ليعلم العبد أنه يتقلب بين النعيم والعذاب، وبين المصائب والمنح، وبين الفتن والعطايا، وبين النعم والبلايا، فإذا أتت البلية فاصبر لها، وإذا أتت المنحة والهدية فاحمد الله واشكره عليها.
- ثانياً: مما يعينك على الصبر أن توقن بالجزاء على المصيبة: لأن الله عز وجل يجزي كل إنسان بعمله إلا الصابر فيجزيه بغير حساب، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠] وقال عز وجل: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٦].
فيوم أن تشعر أنَّ على هذه المصيبة ثواباً تفرح، وتقول: الحمد لله، وهذا مما يعينك على الصبر.
ثالثاً: معرفة نفسك: اعرف نفسك أيها الإنسان! والمال الذي يذهب هو مال الله، والولد الذي جاءك ومات من الله عز وجل، وأنت نفسك إذا مت ومرضت أنت نفسك من الله، فما دام كل شيء من الله فهو ملكه يتصرف فيه كيف يشاء؛ فلماذا الغضب؟ وفي هذا حديث في البخاري ومسلم وهو حديث أم سليم زوجة أبي طلحة رضي الله عنها، وهذه زوجة عظيمة مثالية ما أظن في الدنيا مثلها في مثل هذا الموقف، الله أكبر! مات ولده ولما مات قالت لأهل البيت: اسكتوا ولا تخبروه، أنا سوف أخبره، فلما دخل قربت له العشاء، وأكل وشرب، ثم تصنعت له وتجملت وتعطرت، ثم جاءت إليه، فقال لها: ما صنع الغلام؟ قالت: هو أهدأ ما يكون، أي: مستريح وهي صادقة لأنه قد مات في أهدأ ما يكون، ثم لا زالت به حتى أتاها وواقعها، فلما رأت أنه قد شبع واستراح معها، قالت له: يا أبا طلحة -انظروا كيف العقلية يا إخواني، هذه ليس عندها (ماجستير) ولا (دكتوراه)؟!! انظروا كيف يجعل الإيمان من هذه النماذج قمماً في الحياة- قالت: يا أبا طلحة! أرأيت لو أن قوماً أعارونا عارية -ماعوناً أو أي شيء- ثم طلبوها -طلبوا عاريتهم- ألنا أن نمنعهم؟ -إذا أعطونا دلواً، أو فأساً، أو سيارة، وقضينا بها حاجتنا والآن طلبوها، أيجوز لنا أن نمنعهم؟ قال: لا.
قالت: فاحتسب ابنك عند الله فإنه عارية الله طلبها.
وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن ترد الودائع
فغضب أبو طلحة رضي الله عنه غضباً على هذا الموقف، وقال لها: تركتيني حتى تلطخت -أي: لم تخبريني إلا بعدما عملت، أعلمتني بولدي- ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال عليه الصلاة: (بارك الله لكما في ليلتكما) فحملت تلك الليلة، ووضعت ولداً، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بالتمر، وسماه عبد الله، الذي رزق تسعة من الولد كلهم حفظوا القرآن بأسباب المرأة الصالحة، التي عرفت أن هذا الولد من الله عوضها الله في الدنيا والآخرة.
لكن لو أنها صاحت ووجلت مثل النساء وبكت ماذا سيصير؟ هل سوف يحيا ولدها؟ لا.
ستخسر ولدها وتخسر ثواب الله عز وجل، فلا بد من أن نستعين بمعرفة أنفسنا، وأننا لله الذي لا إله إلا هو.
أيضاً نستعين بالله على المصاب، إذا جاءتك مصيبة في ولدك أو زوجتك أو سيارتك أو في أي شيء، قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، استعنا بالله، فالله يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥] والله يقول: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف:١٢٨] فلا بد أن تصبر.
وأيضاً أن تتأسى بأهل العزائم، وأهل الصبر الذين صبروا مثل الأنبياء والرسل؛ لأن الله يقول: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} [هود:١٢٠] ويقول: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:٢٣].
- أيضاً مما يعينك على الصبر على المصيبة: أن تعلم أنه مهما كانت فإن هناك أعظم منها، لا يوجد مصيبة في الدنيا إلا ويوجد أكبر منها، وإن الله اختار لك هذه المصيبة، وأنه يوجد أعظم منها، وأن الله عز وجل يثيبك عليها، واعلم أن أعظم مصيبة وقعت بك هي مصيبتك في محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا دهتك مصيبة فاصبر لها واذكر مصابك في النبي محمد
هل هناك أعظم على المسلم من مصيبته في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا والله.