هناك أقوام لا يصعقون عندما ينفخ في الصور النفخة الأولى، يقول الله عز وجل:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}[الزمر:٦٨] ولكن من هم هؤلاء المستثنون الذين لا يصعقون حينما يصعق الناس كلهم؟ من هم الذين شاء الله ألا يصعقوا؟ اختلف العلماء فيهم ومن هم هؤلاء الذين قال الله فيهم:{إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}[الزمر:٦٨] فذهب كثير منهم وهو رأي الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية رحمهما الله إلى أن المراد بهم: الذين في الجنة من الحور العين والولدان، فإن هؤلاء لا يصعقون من ذلك، يقول ابن تيمية: وأما الاستثناء فهو يتناول ما في الجنة من الحور العين، فإن الجنة ليس فيها موت، فالذين في الجنة من الحور العين والولدان المخلدين ليس فيها موت حتى يموتوا، ولذا يصعق كل من على وجه الأرض، أما الذين في الجنة فإنهم لا يموتون.
وقد ذهب بعض العلماء إلى مذاهب شتى في غيرهم، ولكن يقول بعض أهل العلم: الأولى بالمسلم التوقف في تعيين من استثناهم الله؛ لأنه لم يصح في ذلك نص يدل على تقسيمهم، وإنما هي فقط اجتهادات من أهل العلم.
وقال بعضهم: إنهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل وعزرائيل ملك الموت، ثم يأمر الله عز وجل ملك الموت فيقبض روح إسرافيل ويقبض روح جبرائيل ويقبض روح ميكائيل، ثم يقول الله له: من بقي؟ فيقول: ما بقي إلا أنت الحي القيوم وبقي عبدك.
أي: بقي هو الذي يقبض أرواح الناس، فيقول الله له: لتذق ما أذقت الناس، لتمت.
فيموت فلا يبقى أحد! فيقول الله تعالى: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يرد عليه أحد، فيقول الله ويرد على نفسه: لله الواحد القهار.
وبعدها يحيي الله عز وجل إسرافيل، ثم يأمره بالنفخ فيحيا من على وجه الأرض.
وهذه الأقوال وردت في كتب أهل العلم، ولكن الصحيح الذي يطمئن إليه القلب: أن يسلم المسلم ويتوقف في التعيين؛ لعدم وجود الدليل المصرح الذي ينص على المراد بهؤلاء الذين استثناهم الله.
هذه الأشياء هي كل ما يتعلق بالنفخ -نفخة الصور- وما بعده من الأهوال سيكون موضع -إن شاء الله- موضوع المحاضرات أو الدروس القادمة، ونكتفي بهذا.
ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يؤمننا وإياكم يوم الفزع الأكبر، وأن يجعلنا وإياكم ممن يظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.