أبو هريرة رضي الله عنه راوي أكبر قدر من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
واسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي؛ من دوس من بلاد زهران، أسلم في السنة السابعة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنوات فقط، لكنها كانت أربع سنوات مملوءة علماً، فروى أكثر السنة، وكان متخصصاً في حفظ وفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش فقيراً في الصفة، فلم يكن له بيت ولا مزرعة ولا غنم ولا جمال، وإنما عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس في الصفة يتعلم العلم، ويدخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بغير استئذان.
هذا الرجل العظيم يقول:(خرجت يوماً من المسجد وأنا جائع، ووالله إني كنت أتقلب على الأرض وأتلوى وكأن بي مساً من الجن، ووالله ما بي مس من الجن وما بي إلا مس الجوع، فمر أبو بكر من عندي فسألته عن آية، ووالله إني لأعرف معناها، ولكن أردت منه أن يستتبعني -أي: يقول: تفضل- قال: فأخبرني بمعنى الآية ولم يستتبعن) يقول: ما قال: تفضل، وليس أبو بكر بخيلاً رضي الله عنه، ولكنه ما كان لديه شيء فكل ماله ينفقه في سبيل الله، وكل شيء يأتيه يحوله إلى الآخرة.
قال:(ثم خرج عمر رضي الله عنه، فتبعته وسألته عن الآية لكي يستتبعني، فأعطاني علم الآية ولم يستتبعن، قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن الآية فأخبرني، ثم قال: اتبعن يا أبا هريرة -صلوات الله وسلامه عليه، وهذا نبي وليس في بيته شيء- فلما دخل البيت قال: أعندكم شيء؟ قالت: لا.
ثم ذهب إلى الأخرى، قال: أعندكم شيء؟ قالت: لا.
ثم الأخرى: أعندكم شيء؟ قالت: لا.
حتى دخل على واحدة من نسائه صلوات الله وسلامه عليه، قالت: نعم.
عندنا قليل من اللبن أهداه لنا رجل من الأنصار -جفنة صغيرة من اللبن جاءت هدية إلى النبي من بيت أحد الأنصار- قال: أحضريه؛ فأخذه.
ولما رآه أبو هريرة فرح وقال: سأشرب منه حتى أشبع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا هريرة: اذهب إلى أهل الصفة وائتني بهم، قال أبو هريرة: فحزنت حزناً كبيراً، وقلت: ما تصنع هذه الجفنة في أهل الصفة وأنا ساقيهم لن تبقى لي شربة واحدة منها، قال: فجاء أهل الصفة وهو سبعون رجلاً، وجلسوا صفاً واحداً في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الجفنة وقال: يا أبا هريرة: أدر الجفنة واسق القوم، قال: فأعطيت الأول فشرب حتى شبع، ثم نقلتها إلى الثاني ووالله ما نقصت قطرة واحدة -يشربون منها وهي مكانها لا ينقص منها شيء، وهذه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم- قال: فشرب السبعون كلهم، حتى انتهوا ولم يبق إلا أنا والنبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: بقيت أنا وأنت يا أبا هريرة! قلت: نعم يا رسول الله! قال: اشرب يا أبا هريرة! قال: فشربت حتى شبعت ثم تركت الإناء، قال: اشرب يا أبا هريرة! قال: فشربت حتى شبعت ثم تركت الإناء، قال: اشرب يا أبا هريرة -وهذه المرة الثالثة وهو لا يعصي الرسول- قال: يا رسول الله! والله لا أجد له مسلكاً -يقول: عبأت المسالك كلها والآن لا أجد له مكاناً، فأين أذهب به؟ - فضحك صلوات الله وسلامه عليه حتى بدت أسنانه صلى الله عليه وسلم) هذا الرجل العظيم يحدث بهذا الحديث.