للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموت نهاية كل إنسان]

قال الناظم:

الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدارُ

قال الناظم الثاني:

الدار جنة عدنٍ إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنارُ

هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختارُ

الموت -أيها الإخوة- أول منازل الآخرة، وأول مراحل الانتقال إلى الدار الآخرة، إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا بد أن يكثر الإنسان من ذكره، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) وأيضاً يتذكره الإنسان بزيارة القبور من غير شد الرحال، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة).

يقول:

ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب

حفرٌ مسقفة عليهن الجنادل والكثيب

فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب

كم من حبيب لم تكن عيني بفرقته تطيب

غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب

تترك حبيبك وراءك في القبر وتمشي وعينك تدمع، وسوف يأتي يوم يتركك أحبابك ويدخلونك ويدسونك في هذا المكان، في بيت الوحشة، بيت الظلمة، بيت الدود، ما معك فراش، ولا معك مخدة، ولا بطانية، ولا أنس، ولا سعة، وإنما ضيق، ومقاسات محددة، يقول مالك التميمي وهو يوصي حينما كان غازياً في جيش إبَّان بن عثمان بن عفان، ونزل ثم ارتحلوا فجاء وركب وأدخل رجله في نعله، وكانت قد دخلت في نعله حية، فلسعته في رأس إصبعه وقضت عليه، فكان يوصي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقول:

خذاني فجراني ببردي إليكما فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا

ولا تنسيا بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا

وأشقر صنديدٍ يجر عنانه لم يترك له الدهر ساقيا

يقول: لا أحد يسقيه، وهو يرثي نفسه، وهذا ميراث عظيم أعده العلماء من عيون الشعر الذي يرثي فيها الإنسان نفسه.

فالموت أمر مهول ومفزع وأمر فضيع جداً، ولذا ينبغي أن تذكره وألا تنساه، تذكره وأنت على الفراش، وتذكره وأنت على المعاش، وتذكره وأنت تسير، حتى تستعد لما بعد الموت؛ لأن نسيان الموت يؤدي إلى نسيان الاستعداد لما بعد الموت، ومن ضمن الاستعداد للموت: أن تعرف كيف تغسل الميت؛ لأن المصيبة الآن إذا مات ميت في بعض القرى لا يعرفون كيف يغسلونه، يذهبون إلى قرية أخرى لكي يغسلوه، بل بعض المدن يقولون: ابحثوا لنا عمن يغسله، والمفروض أن يعرف كل إنسان كيف يغسل الميت، وأن يعلم أهله، حتى يستطيعون تغسيله إذا مات، وإذا مات أحد من أهله يعرف كيف يغسله، وكيف يجهزه، وكيف يكفننه، وكيف يحنطنه، وكيف يصلون عليه، ومعظم الناس غافل عن هذا كله وليس في باله، فإذا أتى الموت بدءوا يتذكرون ويبحثون عن كفن فلا يجدون، ويبحثون عن حنوط فلا يجدون، لماذا؟ لأنهم في غفلة، كل شيء مستعد له إلا الكفن، استعد -يا أخي- بكفنك في بيتك، اجعله ضمن ملابسك، دولاب الملابس اجعل في أسفله كفن الموت، اللباس الذي تخرج به من هذه الحياة، اجعل معك حنوطاً، وعلم أهلك كيف يغسلونك إذا مت حتى تكون مستعداً لذلك.