[الحرص على انتقاء الرفيق]
يجب أن يحرص المسلم على انتقاء الرفيق، كما يحرص على انتقاء الطعام، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، أو أن تبتاع منه، أو أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو أن تجد منه ريحاً خبيثة).
فحامل المسك: هو حامل الإيمان، حامل الدين صاحب القرآن صاحب الخوف من الله والخشية والمراقبة له.
ونافخ الكير: هو حامل المعاصي حامل الشر حامل الغناء حامل الربا حامل الزنا حامل المنكرات، هذا يحرق ثيابك في الدنيا ويحرقك في الآخرة، وأيضاً: تجد منه ريحاً خبيثة، وهي ريح الكفر والضلال -والعياذ بالله- ولذا يحرص الإسلام على تربية أفراده وأتباعه على أن يحسنوا اختيار أصدقائهم.
يقول الناظم:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدِي
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردِي
ويقول الناظم الآخر:
فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياهُ
فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاهُ
يُقاسُ المرءُ بالمرء إذا ما المرء ماشاهُ
وللناس على الناس مقاييس وأشباهُ
وللقلب على القلب دليل حين يلقاهُ
يقولون: إذا سألت عن أبي زيد، فقل: مَن قرينُه، وإذا أردت أن تكون رجلاً فسِر مع الرجال، وإذا أردت أن تكون مؤمناً فسر مع المؤمنين، وإذا أردت أن تكون فاسقاً فسر مع الفاسقين؛ ولذا يذكر الله عز وجل في القرآن قصة مروِّعة عن رجل كان له صديق سيئ -والعياذ بالله- وخليل فاسق قاده إلى الكفر حتى أدخله النار، يقول الله ويخبرنا عن حالة هذا الرجل، وهو يوم القيامة يعض على يديه، ويأكل يديه من بنانه إلى كتفه ندماً على علاقته بهذا الرجل الفاسد، يقول: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:٢٧ - ٢٩] هذه الآية نزلت في عقبة بن أبي معيط -عليه لعائن الله المتتابعة- رجل من كفار قريش، كان له صاحب يدعوه إلى الكفر، ويؤلبه عليه، ويثبته عليه، ثم سافر صاحبه هذا، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع الرسول، وسمع القرآن، وكاد أن يسلم، لكنه ما أسلم، ولما رجع صاحبه من الشام سأل زوجته: ما صنع عقبة؟ قالت: لقد صبأ.
أي: أسلم، فقطع حديثها، وخرج في نفس الوقت إلى بيت عقبة، ودق عليه، وقال: أصبأت يا عقبة؟ قال: لا.
ما صبأت! قال: بلى صبأت.
قال: لا ما صبأت، قال: والله لا أصدقك حتى تذهب إلى محمد، فتبصق في وجهه.
قال: أبشر.
فخرج معه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد الحرام، فجاء إليه وبصق في وجهه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، فجعل يمسح البصاق من وجهه، وهو لا يستطيع أن يصنع شيئاً؛ فهنالك رجع عقبة إلى الكفر، وبقي حتى قتل في يوم بدر، ثم دخل النار، وتذكر من الذي ورطه هذه الورطة، وإذا به زميل السوء، قال عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ} [الفرقان:٢٧] أي: عقبة {عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:٢٧] يعض: ندماً وأسفاً؛ لأن الشخص إذا فاته شيء وخسره وتألم عليه وتندم ماذا يفعل؟ يعض أصابعه، ويقول: آه، يا ليتني ما فعلت كذا؛ لكن هذا لا يعضها، بل يأكلها أكلاً إلى كتفه؛ لأن الورطة ورطة ضخمة، إلى جهنم {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:٢٧ - ٢٩].
لذا فإنه ينبغي ويتحتم على جميع أفراد الأسرة بدءاً بالأب، فالأم، والأبناء، والبنات، أن ينتقوا الرفقاء والأصدقاء، ينتقوهم من أفضل الناس من المساجد من أهل الإيمان: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي).
إذا حرصنا على هذه الأمور وتحاشيناها، وحرصنا على مجانبة المخدرات، وعدم استعمالها وإحضار الأفلام، واختيار الأصدقاء، فإن الأسر -إن شاء الله- ستكون في سعادة وفي حياة كريمة في الدنيا، ثم ينتقلون -بإذن الله- إلى السعادة الأبدية، في دار عرضها السماوات والأرض.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يثبتنا على دينه، وأن يحشرنا على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.