للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من قوارب النجاة إقامة الصلاة]

القارب الثاني: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] أقم الصلاة، والتبرير بعدها يفسر أهميتها؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصلاة صلة بين العبد وبين الله، الصلاة رابطة وحبل ممدود من السماء إلى الأرض، والذي معه رابطة بالله ومستمسك بحبل الله لا يمكن أن يفعل فحشاء أو منكراً؛ لأنه يشعر بأنه مع الله، كيف يعمل الفحشاء في الصباح وهو يعرف أنه سيأتي بعد قليل يقف بين يدي الله في الظهر؟ كيف يفعل الفحشاء بعد الظهر وهو يعلم أنه سيقف بين يدي الله في العصر؟ لا يمكن أبداً؛ لأنه يستحيي.

ولذا يلحظ المتدبر والمتأمل لحكمة تشريع الصلاة أنها العبادة الوحيدة التي تلازم الإنسان على مدار حياته في كل أحواله، الصوم شهر في السنة، أحد عشر شهراً لا يوجد فيها صوم إلا نافلة، الزكاة مرة في العام، وإذا كان هناك مال ودار عليه الحول وبلغ النصاب، الحج مرة في العمر، وجميع الفرائض محددة بأزمان وهيئات إلا الصلاة فليست مرة في العمر، ولا العام، ولا الشهر، ولا اليوم، بل كل يوم خمس مرات، أول ما تفتح عينك قبل أن تأكل وتشرب تصلي، هل يمكن لشخص أن يعمل أو يأكل قبل الفجر؟ لا.

تفتح عينك على الصلاة، ومن ثم تمشي بيومك إلى أن ينتصف النهار تأتي صلاة الظهر، فإذا أوشك النهار على الانصراف صليت العصر، فإذا انصرم النهار ودخل الليل صليت المغرب، فإذا أردت أن تودع الليل والنهار بالنوم تصلي العشاء، فتنام بعد صلاة، وتستيقظ على صلاة، وتنتصف في نهارك في صلاة، وتصلي العصر والمغرب: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:٧٨] أي: في زوالها {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:٧٨] لأنها حبل.

يقول أحد العلماء: (الترمومتر) الإيماني الذي تقيس به إيمانك موجود معك وهو الصلاة، لا يمكن أن يكون (ترمومتر) الإيمان صيام رمضان؛ لأنك قد تصوم رمضان وترتفع عندك نسبة الإيمان فترفع درجته بـ (الترمومتر) الإيماني إلى أعلى درجاته، لكن الصوم ينتهي ويأتي شوال وذو القعدة وذو الحجة ينزل، فنأتي لنقيسك فليس هناك مقياس مثل المقياس في رمضان، وفي الحج يمكن أن تصفو روحك، وتتوب إلى الله، ومن ثم تنزل لا نستطيع نقيسك، وكذلك الزكاة، قالوا: المقياس الثابت هو الصلاة.

إذا أردت أن تعرف نسبة الإيمان ودرجته عندك فقسه على المقياس الثابت الملازم لك طوال الليل والنهار وهو الصلاة.