[نشر الصحف]
في ذلك اليوم الرهيب يحصل للناس أهوال عظام وأمور جسام, أول تلك الأمور تطاير الصحف، تطير كتب الناس في السماء، ويؤمر كل واحد أن يأخذ كتابه, فآخذ باليمين وآخذ بالشمال, يأتي الشخص فيأخذ الكتاب باليمين إن كان من أهل اليمين -جعلنا الله وإياكم منهم- ونظر فيه رأى الحسنات كلها؛ لأن السيئات يغفرها الله للمؤمن, فإذا رآه قال: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:١٩] يقول: انظروا شهادتي! مثل الطالب الذي يأتي بالشهادة وهي مملوءة بالعلامات الكبرى والدرجات الممتازة, فيذهب يريها لأبيه ولأمه ويخبر الناس كلهم, بعض الطلاب يقف في الشارع وهو لا يعرف أحداً من الناس, كل من مر يقول له: انظر شهادتي, فيقال له: وما شأني أنا بشهادتك؛ لكن من بالغ فرحته يجب أن يعلم الناس كلهم بخبر نجاحه وإن كانوا لا يعرفونه.
لكن البليد الذي شهادته كلها دوائر حمراء وساقط لا يظهرها لأحد, وإذا ذهب إلى البيت وقد أعلنت النتيجة وسأله أبوه أو أمه: أين النتيجة؟ قال: لم تظهر بعد -وهي قد ظهرت- بعد يومين أو ثلاثة أيام, وفي اليوم الثاني يقول: ما طلعت, فيقول أبوه: زملاؤك ظهرت نتائجهم لماذا أنت؟ يقول: ربما ظهرت سوف أذهب استلمها غداً, يريد أن ينزل الخبر بالتقسيط, لكيلا يفاجئ الأب بالخبر, وبعد ذلك لما يدخل البيت يقول: الحمد لله أبشركم, قالوا: خير, قال: سقطت في مادتين فقط, وهي ثمان وليست اثنتين ثم يقول: الأمر يسير وهذه المادتان سوف أنجح فيهما خلال الصيف, ولكن الذي لم ينجح في سنة لا ينجح في شهرين، الفاشل فاشل, والذي همته دنيئة همته دنيئة.
كذلك أهل الإيمان إذا نجحوا يوم القيامة {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:١٩] لكن لمن يظهرها؟ أتدرون من يسمع بهذا الخبر؟ أهل المحشر كلهم, كل من على أرض المحشر يسمعون خبر نجاحك إذا قلت لهم: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:١٩ - ٢٤].
فالذي لا يأخذ كتابه بيمينه يأخذه بشماله, هو لا يريد أن يأخذ الكتاب بالشمال, فيحاول يأخذ الكتاب باليمين فيضرب على كتفه فتسقط يمينه, فلا تبقى إلا شماله فيأخذ الكتاب بالشمال، فإذا أخذه رأى السيئات؛ فيرى قطع الصلاة والزنا والخمور واللواط والربا وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والحلف الفاجر والكذب والغيبة والنميمة يرى كل شيء عمله, يقول الله: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:٢٩] وقال سبحانه: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:٤٩] ويقول سبحانه: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:٦] من منكم يذكر ماذا عمل قبل شهر؟ ماذا تغدينا ذلك اليوم؟ لا ندري, من زرنا؟ لا ندري, من زارنا؟ لا ندري, هل صلينا الفجر في المسجد؟ لا ندري, هل عصينا الله في ذلك اليوم؟ لكن الله سبحانه يعلم ذلك كله، (أحصاه الله ونسوه) يقول الله سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:١٣] أي: الكتاب {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:١٣ - ١٤] فعندما يرى الفضائح يخفيها ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:٢٥ - ٢٧] فصاحب المال يقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:٢٨] وصاحب السلطان يقول: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:٢٩] فيقول الله للملائكة: {خُذُوهُ} [الحاقة:٣٠] فيبتدره سبعون ألف ملك, إذا قال الله: خذوه فلا يقوم ملك واحد وإنما سبعون ألف ملك, الملك الواحد يقوم يأخذ بيده سبعون ألف فيلقيهم في النار من قوته, لكن لتنفيذ الأمر, ماذا يفعلون به؟ {فَغُلُّوهُ} [الحاقة:٣٠] والغل: هو وضع القيد في اليدين والرجلين والرقبة, {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:٤١] {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:٣١] أي: أوصلوه, {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:٣٢] تدخل من فمه وتخرج من دبره, يقول في الحديث: (والذي نفسي بيده لو أن حلقة من هذه السلسلة وضعت على جبال الدنيا لأرفضتها) وهي سبعون ذراعاً، لماذا سبعون ذراعاً؟ لأن حجم الإنسان يومئذٍ كبير ليس بالشكل الذي عليه الآن, فالإنسان الذي في النار والعياذ بالله كما في الحديث الصحيح الذي ذكره السيوطي في الجامع: (أنه يضخم الإنسان حتى يكون مقعده في جهنم مثل ما بين مكة والمدينة) المقعد أربعمائة وعشرون كيلو متراً, وضرسه مثل جبل أحد , هذا الضرس الواحد فكيف بالرأس؟! جبل أحد واحد كيلو متر، هذا الضرس, عد اثنين وثلاثين ضرساً يعني: اثنان وثلاثون جبلاً والرأس مثل اثنين وثلاثين جبلاً من مثل جبل أحد تقريباً إذاً كيف الجسم؟! أما حجم الجلد فهو مثل سبعة جلود ما بين الجلد والجلد مسيرة ثلاثة أيام، وكل جلد غلظة مسيرة ثلاثة أيام, تبدل في كل يوم أربعمائة مرة من شدة الاحتراق، قال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦] لماذا تورط نفسك هذه الورطة كلها ولديك طريق للسلامة، طريق سهل ميسور جداً هو عبادة الله سبحانه، في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (يؤتى بأقل أهل النار عذاباً فيقال له: هل تود أن تفتدي مما أنت فيه بملء الأرض ذهباً, فيقول: نعم ربي, قال الله: قد طلبت منك أهون من ذلك أن تعبدني ولا تشرك بي شيئاً, وتطيعني ولا تعصيني فرفضت) وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
{ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوه} [الحاقة:٣١ - ٣٢] ما السبب؟ قال سبحانه: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:٣٣].