للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تقوى الله وحسن الخلق من طرق الجنة]

يقول: أريد الدنيا من أجل هذه الأمور الثلاثة: ظمأ الهواجر بالصيام، وسهر الليالي بالقيام، ومزاحمة العلماء بالركب في مجالس الذكر، أما غير هذه فلا أريدها، رضي الله عنهم وأرضاهم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (اتق الله حيثما كنت -وهو عنوان الدرس- وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وفي بعض النسخ: حديث حسن صحيح.

هذا الحديث -أيها الإخوة- يدخل في معناه أيضاً حديث آخر لـ أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ وما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج).

فمن طرق النار الفم والفرج، ومن طرق الجنة تقوى الله وخشيته ومراقبته، وحسن الخلق.

وهذا المعنى اشتمل تنظيم العلاقة بين العبد وبين الله عن طريق التقوى، وبين العبد وبين الناس عن طريق الخلق؛ لأن الأخلاق الحسنة هي التي تستطيع أن تستوعب الناس بها، يقول صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن تسعوهم بأخلاقكم) فلو أن عندك ملايين الدنيا فالناس أكثر منك، ولا يسع الناس إلا من خلق الناس، ولا يكفل الناس إلا رب الناس، أما أنت فتستطيع أن تسع الناس كلهم بالأخلاق الحسنة، فتبتسم لهذا، وترد السلام على هذا، وتعطي هذا، وتعفو عن هذا، وتحلم على هذا، فيحبك الناس كلهم، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وكاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة) فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة والترمذي.

وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله: (اتق الله حيثما كنت) وصية جامعة عظيمة شاملة لحقوق الله والعباد، فإنَّ حق الله عز وجل أن يتقى حق تقاته.

والتقوى وصية الله عز وجل للأولين والآخرين.

وأصل التقوى وحقيقة التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره من عذاب الله وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من العذاب في النار وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته وترك معصيته، هذه هي التقوى: فعل طاعة الله وترك معصيته، وتستطيع أن تعرض نفسك وتزنها وتعرف: هل أنت من المتقين أم أنك من الفجرة الأشقياء، وذلك عن طريق معرفة أوامر الله، وعرضك لنفسك على الطاعات، هل أنت منفذ لها؟ واعرض نفسك على المعاصي، هل أنت واقع فيها، فإذا وجدت أنك منفذ لأوامر الله، مبتعد عن مناهي الله، فاعلم أنك في أعلى درجات المتقين، وإن تكن الأخرى فلا حول ولا قوة إلا بالله!