لا نريد أن نسهب في هذا الموضوع؛ ولكني جئت إليه من باب أن دعاءنا ينبغي أن يكون مرافَقاً ومصاحَباً للعمل؛ فإذا دعا العبد ربه وعمل صالحاً كان حرياً أن يكون -إن شاء الله- من أهل الاستجابة، أما ذلك الرجل الذي تعرفونه في الحديث، والحديث في صحيح مسلم:(الرجل أشعث أغبر)، أي: جميع ملابسات ودواعي الاستجابة موجودة، أشعث، أغبر، وبعد ذلك، (يمد يديه إلى السماء) يرفعها، وبعد ذلك يقول:(يا رب! يا رب!) يدعو الله، ويكرر، هذه كلها وسائل إجابة؛ لكن:(مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغُذِّي بالحرام) فهل يُستجاب له؟ قال:(فأنى يستجاب له؟!) ما أخذ بوسائل الدعاء الحقيقية من الكسب الحلال؛ لأن الكسب الحرام حاجز بين العبد وبين الله بالدعاء، لا يستجيب الله لجسد نُبِتَ على سُحت أو غُذِّي بالحرام، وكما جاء في الحديث، والحديث موجه لـ سعد بن أبي وقاص، خال النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(يا سعد! أطِبْ مطعمك تُجَبْ دعوتُك) إذا أردت أن تكون مستجاب الدعوة ففكِّر في المال الذي تأكله، ولا يدخل بطنك إلا حلالٌ، وطبعاً هذا الحلال هو من الدخل الذي يأتيك، فراتبك إن كنت موظفاً، يجب أن تحرص كل الحرص على ألا يكون فيه ريالٌ من حرام، كيف؟! عن طريق الدوام المخلص المنضبط، من أول دقيقة إلى آخر دقيقة، وإذا تأخرت فيكون بعذر، ولدى صاحب الصلاحية علم ليأذن لك، أما التهرب والتسيُّب والتأخر، كأن تأتي في الساعة الثامنة ثم توقِّع على الساعة السابعة والنصف، فتتأخر كل يوم نصف ساعة، فهذه ستخرج منك يوم القيامة دماً، تخرج عذاباً من ظهرك، فإن حضرت في الساعة السابعة والنصف فوقع في الساعة السابعة والنصف، وإذا جئت في الساعة الثامنة إلا ربعاً فَضَعْ الساعة الثامنة إلا ربعاً، واذهب إلى المدير وقل له أنك تأخرت ربع ساعة، فإن أردت أن تحسبها احسبها؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، لكن إذا كان هناك مدير جيد يريد أن يربي العاملين عنده على الجدية والإخلاص، وقام بهذا الأمر اتخذه كل الناس عدواً، وقالوا: فلان مشدِّد، هذا منفِّر.
وذلك المتساهل المتسيب، الذي ليس عنده من عمل، يقولون عنه: هو طيب، الله يذكره بالخير، الله أكبر يا ذاك الرجل! ما أحسن منه! سبحان الله! انعكست المفاهيم! أصبح المتساهل هو الطيب، والجِدِّي هو الرديء، لماذا؟ لأن مفاهيمنا مغلوطة، ونظراتنا معكوسة، فإنا لله وإنا إليه راجعون! فلا بد من الأخذ بالأسباب.