وعالج القرآن قضية البعث علاجاً عقلياً، عن طريق رد الإنسان إلى أصله، وتذكير الإنسان بأصل خلقته، فالقادر على البدء قادر على الإعادة، من صنع سيارة من أولها ثم تفككت بعد ذلك ألا يستطيع أن يركبها مرة ثانية؟ من صنعها من لا شيء قادر على إصلاحها وهي شيء، هذا بالنسبة للإنسان فكيف لا يكون الله قادراً على إعادة الإنسان وهو خلقه من غير شيء؟!! وإن الله ليس عنده شيء أصعب ولا شيء أسهل، كل شيء عنده سهل، قال عز وجل:{إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فصلت:٣٩]{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل:٤٠] ليس هناك صعب ولا سهل عند الله.
يقول الله عز وجل:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:٧٨] انظر كيف يكون الرد، قال الله:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:٧٩]{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً}[يس:٧٨] هذا العاص بن وائل أخذ عظماً من المقبرة وأتى به وفته في يد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أتزعم يا محمد أن ربك يعيدنا بعد أن نكون عظاماً رميماً؟ ثم نثر الطين بيد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:(نعم.
ويدخلك الله النار!) وفعلاً مات العاص بن وائل -أبو عمرو بن العاص - مشركاً ولم يسلم، ويدخله الله النار، ونزل القرآن مباشرة:{أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}[يس:٧٧] خصيم أي: مجادل، يجادل النبي صلى الله عليه وسلم {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً}[يس:٧٨] أي: بالعظم الذي قد رم {وَنَسِيَ خَلْقَهُ}[يس:٧٨] أي: نسي العظم الذي يحمل العظم، هو الآن جاء بعظم مفتت على عظم مركب، مَنْ خلق الأول حتى تنكر العظم الثاني؟ {وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:٧٨] قال الله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}[يس:٧٩] الذي خلقها أول مرة، أليس قادراً على إعادتها ثانية؟ بلى إنه قادر تبارك وتعالى، فهذا رد عقلي.
والرد الثاني: يقول الله عز وجل: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً}[مريم:٦٦] قال الله: {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}[مريم:٦٧] الإنسان يقول: أئذا ما مت لسوف أخرج حيا مرة ثانية؟ قال الله:{أَوَلا يَذْكُرُ}[مريم:٦٧] أي: لا تذكر أنك كنت ميتاً فخلقناك ولم تك شيئاً، فالذي خلقك ولم تكن شيئاً فإنه قادر على أن يعيدك بعد أن تكون شيئاً، هذه ردود عقلية منطقية من أجل إيقاف الناس على حقيقتهم، ويقول عز وجل:{فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ}[الطارق:٥] إذا كان عندك شك في البعث فانظر من أين خلقت، ويقول عز وجل في سورة الحج {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ}[الحج:٥] إن كان عندكم شك من البعث {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً}[الحج:٥] هذا المثال {ً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[الحج:٥ - ٧] هذه خمس نتائج تقريرية للآية، إن كنتم في ريب من البعث فهذا الخلق يتم أمامكم، فالذي خلق وأمات يبعث، وهو الله تبارك وتعالى.