[التقوى سبب تفريج الشدائد]
كلمة (اتق الله) كلمة تهز نياط القلوب إذا ما وجهت إلى أهل الإيمان، فإذا سمعها المؤمن ارتجف؛ لأنه لا يستطيع أن يتحمل أن عصيان الله إذا قيل له: اتق الله.
بل هذه علامة خطر، هذه لوحة ممنوع الوقوف (اتق الله).
ارجع إلى الله.
اهرب من معصية الله.
احذر بأس الله وشدته، وعظمته، هؤلاء هم أهل الإيمان الذين إذا سمعوا كلمة: (اتق الله عز وجل) ارتعدت فرائصهم، واضطربت قلوبهم، وقامت جوارحهم، ولا يمكن أن تستمر المعصية، لماذا? لأنه قيل له: اتق الله.
جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث عن ثلاثة كانوا في سفر، ونزل عليهم المطر في ليل بارد؛ فدخلوا في غار، وفي أثناء جلوسهم في الغار انحدرت عليهم صخرة من الجبل وسدت عليهم باب الغار، وهم في الصحراء لا يوجد تليفوناً يتصلون بالدفاع المدني، ولو صرخوا وصاحوا فلا أحد يسمعهم، وإن دفعوها بأيديهم وأقدامهم لا يستطيعون؛ لأنها صخرة كبيرة.
فقال أحدهم: إنه لا ينجيكم مما أنتم فيه إلا الله -يقول: أسباب الأرض انقطعت وما بقي إلا أسباب السماء- فادعوا الله عز وجل بصالح أعمالكم، تعرفوا على الله عز وجل بصالح الأعمال ليعرفكم في هذه الشدة؛ لأن من تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، ومن نسي الله في الرخاء نسيه الله في الرخاء والشدة، فقام كل واحد منهم وبدأ يذكر صالح عمله، وهم من خيار الناس، ووالله يا إخوان -كما قلت هذا في مناسبة سابقة- أني إذا ذكرت هذا الحديث يتقطع قلبي من الألم، وأقول: لو كنت أنا معهم بم أدعو الله؟ وماذا أقول؟ لا يوجد عندي شيء.
فتبقى الصخرة إلى أن يتقطع جلدي وأموت ويفنى عظمي ولحمي، لماذا? لأنه لا يوجد مؤهلات تزيل الجبال.
أما هؤلاء الثلاثة العظماء الأتقياء فقام كل واحد منهم يقدم عملاً، ويسأل الله عز وجل أن يخفف عنهم ما هم فيه من الكرب، وأن يفرج عنهم ما هم فيه من الغم، فيتحرك الحجر، ومن ضمنهم واحد قال: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأعظم وأشد ما يحب الرجال النساء، وراودتها عن نفسها مراراً فأبت -إنها امرأة شريفة طاهرة نقية عفيفة- يقول: وفي يوم من الأيام ألجأتها الظروف والحاجة والضرورة إلى أن تأتي وتستقرض مني مالاً، فرفضت أن أقرضها إلا أن تخلي بيني وبين نفسها، فأطاعت تحت وطأت الاضطرار، يقول: فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة قالت لي: يا هذا! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، إنها كلمة! لكنها وقعت في قلب مؤمن، قال: فتركتها من أجلك وقمت، قال: فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
كلمةٌ هزت قلب الرجل وأنقذته من هذا المكان الخطر، وهذه الكلمة لا تؤثر إلا فيمن إيمانه مثل الجبال، قد يقولها المرء في الذهن، لكن في تلك الأماكن يعمى البصر وتطغى الشهوة، وينسى الإنسان ربه والنار والعار والشنار والدمار، ويفرغ شهوته ولا يبالي بأحد، لكن هذا لما قالت له: اتق الله، قام فزعاً خائفاً.
هذا هو المؤمن، ولكن هناك من لا يتقي الله إن قيل له: اتق الله بل بعضهم إذا قيل له: اتق الله يزيد في المعصية، كأنك تقول له: لا تتق الله، وقد بين الله عز وجل هذا في القرآن فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:٢٠٦] ما معنى أخذته العزة بالإثم؟ أي: لا يخاف الله، ولا تأخذه العزة بالله ولا بتقوى وخوف ومراقبة الله، ولكن تأخذه العزة بأن يمارس الإثم! ويعتز بأن يزني ويرابي ويعصي الله عز وجل، ولا يعتز بالله، فهذا أخذته العزة بأن يمارس الإثم ويقع في الخطيئة، قال الله عز وجل: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:٢٠٦] فهذا تكفيه جهنم، نعم.
تكفيه جهنم؛ نار أوقد الله عليها ثلاثة آلاف سنة! ما ظنكم بنار أوقدها الجبار! إذا كنا الآن لا نتحمل ناراً أوقدها الفران، تعال إلى الفرن وأنت تشتري خبزاً وضع يدك في رأس الفرن فقط ولا تمدها إلى الداخل، واصبر قليلاً وانظر لا بد من التجربة، هل تصبر على النار؟! والله لا تصبر، فكيف إذا أخذك شخص وطوى رأسك ويديك ورجليك وأدخلك في النار دقيقة واحدة فقط ستين ثانية، هل تتحمل؟! كيف نخرجك؟! لو أخرجناك بعد دقيقة واحدة لخرجت مشوياً، لا إله إلا الله -يا إخواني- ما أقسى قلوبنا!! والله إن الذي يرى أعمالنا يقول: هؤلاء ضد النار، أو لا تأكلهم النار، أو لا يعرفون النار، إن أقدامكم على النار لا تقوى.
فالمؤمن إذا قلت له: اتق الله، فإنه لا يقدم ولا يمشي في معصية الله، قال الله تعالى: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:٢٠٦].