[صبر أيوب عليه الصلاة والسلام على المرض الذي حل به]
ابتلى الله أيوب عليه السلام بالمرض في جسده، وعانى منه معاناةٍ لا يعلمها إلا الله، ومكث ثماني عشرة سنة وهو يعاني من ألم المرض، وقالت له رحمة بنت يوسف -وهي زوجته-: إنك نبي مستجاب الدعوة فاطلب من الله أن يرزقك العافية.
قال لها: كم لي مريض؟ قالت: لك ثماني عشرة سنة -من يصبر منَّا ثماني عشرة دقيقة أو ثماني عشرة ساعة، أو ثماني عشر سنة؟ لم يقل: يا رب! أعطني العافية- قال: وكم لي معافى من قبل؟ قالت: ثمانون سنة.
قال: إني أستحي أن أطلب من ربي العافية حتى تبلغ مدة بلائي مدة عافيتي.
يقول: إذا وصلت إلى ثمانين سنة أعلميني فأقول: يا رب أعطني العافية، ونحن الآن ليس فقط نطلب العافية من الله لا بل نطلبها من غير الله.
كثير من الناس من حين يأتيه المرض فإنه يذهب إلى غير الله، يذهب إلى الكاهن، وإلى الطبيب العربي، ويذهب إلى المشعوذ، ولا يصبر، ولا يتداوى بالأدوية المشروعة، وليس هناك مانع من التداوي فإن الله أمر به، ولا ينافي التوكل بل هو مشروع، ولكن الصبر طيب، وحتى وأنت تتداوى يجب أن تصبر، وتعرف أن العافية من الله، وأن هذه الأسباب لا تجلب لك العافية إلا بإذن الله تبارك وتعالى.
فأيوب صبر صبراً عظيماً وقد شهد الله له بذلك، فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٤٤] متى استحق هذه الشهادة يا إخواني؟! الله أكبر! بعد ثماني عشرة سنة، يقول بعض العلماء: إنه ما طلب العافية إلا عندما دخلت دودة من الدود التي كانت تأكل لحمه دخلت في قلبه، والثانية دخلت في لسانه؛ لأنها لم تجد فيه شيئاً، فما بقي إلا اللحم والعصب والعروق، فوجدت لحمة محروسة بالذكر وبالشكر، فتحرشت بها وقرصتها فصاح وفزع إلى الله وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:٨٣].
قال العلماء: إن الضر الذي شكاه أيوب ليس ضر المرض، فهو فيه من ثماني عشرة سنة، ولكن ضر التعطيل عن ذكر الله وشكره، يقول: يا رب! لا أستطيع أن أعيش بغير ذكرك وشكرك، وإذا دخل عليَّ هذا البلاء في لساني تعطل لساني عن ذكرك، وتعطل قلبي عن شكرك، وهذا هو الضر، فكيف بمن يعيش مدى حياته لا يذكر الله، ولا يشكره؟! لا إله إلا الله! كيف تتحول حياة الناس حينما يبتعدون عن الله عز وجل.
أيوب ابتلاه الله عز وجل في بدنه وماله وأهله حيث فقدهم فصبر، ولما صبر نجح وأخذ الشهادة الأزلية التي تتلى إلى يوم القيامة: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٤٤] ثم أعطاه الله عز وجل كل ما أخذ منه، قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص:٤٣].
خرجت زوجته من عنده وهو في بيت خرب بعيد عن الناس لأنهم يسمونه مبتلى، ولا يقعد معهم من أجل العدوى، وكانت تفرش له الرماد ولا يوجد فرش إلا الرماد يقعد عليه؛ لأنه لا يتحمل شيئاً، فقال له الله عز وجل: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} يعني: اركض الأرض بقدمك، فانفجرت تحت قدمه عينان: واحدة مغتسل، والأخرى شراب بارد: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:٤٢].
فشرب من الأولى فأذهب الله ما به من الأدران، واغتسل من الثانية فأذهب الله ما به من الأمراض الخارجية، ثم كساه الله حلة من الجنة، وأُتي له بكرسي من ذهبٍ من الجنة، وجلس عليه كحالته يوم مرض في عز شبابه، وعندما جاءت زوجته ومعها كسرة من العيش عملت لأجلها طوال اليوم، ولما لم تجده في المكان بحثت عنه فما وجدته؟ ظنت أن الكلاب قد أكلته، فجاءت إليه وقالت: يا رجل! أسألك بالله: هل رأيت هذا المبتلى أين ذهب؟ قال: أي مبتلى؟ قالت: أيوب.
قال: أنا أيوب.
قالت: أتهزأ بي؟ قال: لا، وإذا به أيوب يوم عرفته.
متى حصل على هذا؟ إنه بعد الصبر الطويل.