[حقيقة الخسارة ومفهومها]
فهذه مظاهر الخسارة التي تحصل للإنسان إذا ابتعد عن دين الله عز وجل، أما ما هي الخسارة؟ فسوف أتحدث عنها إن شاء الله باختصار.
بغير الدين تكون خسارة الدنيا؛ قلق واضطراب وحيرة وضيق وهم وأمراض خذ ما شئت في الدنيا، وعند الموت يخرج خاسراً لا يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله، نعم إذا خرج من الدنيا ما يقدر يقول: لا إله إلا الله.
هذا خسران؛ لأن علامات حسن الخاتمة أن يقول الشخص: لا إله إلا الله، وعلامات سوء الخاتمة ألا يقول: لا إله إلا الله، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) وهذه لا أحد يستطيع أن يقولها إلا الذين عاشوا عليها، من صبغ حياته بلا إله إلا الله، وعجن نفسه حتى صارت لا إله إلا الله تسير في عروقه وتتردد مع أنفاسه، وعينه محكومة بلا إله إلا الله، وأذنه ويده محكومة بلا إله إلا الله، ولا إله إلا الله تهيمن عليه، عند الموت يقول: لا إله إلا الله، ما يحتاج من يذكره، لماذا؟ أصبحت لا إله إلا الله متكاملة فيه، لكن من عاش على غير لا إله إلا الله فإنه لا يستطيع أن يقولها عند الموت، وإذا خرج بغير لا إله إلا الله هذه علامة سوء الخاتمة والعياذ بالله.
كثير من الناس يموتون ويلهمون لا إله إلا الله، وقد أخبرني رجل من إخواننا في الله عن رجلٍ صالح مات وهو مؤذن كان يشتغل مؤذناً وحصلت له وعكة، وأصيب بغيبوبة وفقد شعوره أسبوعاً كاملاً، لا يعرف ليلاً ولا نهاراً ولا صلاة ولا شيئاً، يقول ولده: وكنت عند رأسه أشرف على تمريضه، وبعد منتصف الليل وأنا نائم عنده وهو في الغيبوبة، ولا يأكل ولا يشرب حتى أذاه لا يعرف ما يخرج منه، يقول: وإذا به يوقظني وجلس واستقبل القبلة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم وضع جنبه على الأرض ومات، ختم له بخير، من الذي علمه؟ من الذي ثبته؟ من الذي لقنه؟ هذا عمله ثبته هنا ليخرج متوجاً بلا إله إلا الله، يخرج يحمل بطاقة ورخصة مرور إلى الجنة اسمها لا إله إلا الله، جواز سفر يقدمه لرضوان ويدخل الجنة، هذا الجواز الذي ينفع.
وناس ما قالوا لا إله إلا الله، شخص يخبرني عن رجل كان يبيع ويشتري في العقارات، ولكن بغير الطريق الشرعي، وإلا فالبيع والشراء في العقار ليس فيه شيء إذا راعى الإنسان أوامر الشرع وخاف الله، صدق وبين ولا دلس على أحد ولا كذب، أما إذا خان فقد غدر والله لا يهدي كيد الخائنين، كان هذا الرجل -والعياذ بالله- سيئ في معاملاته، ولم يكن يراعي أمر الله، كان يضيع صلاته ودينه من أجل العقار، ولما جاءه الموت قالوا له: قل لا إله إلا الله! قال: على شارعين، ما يعرف لا إله إلا الله، يعرف أرضية على شارعين، قالوا: قل لا إله إلا الله قال: رخصة بلدية، ومات على شارعين جهة على جهنم وجهة على لظى، لماذا؟ لأنه عاش عليها، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
رجل كان يعمل في حراج السيارات، وطوال الليل وهو يصيح على الميكرفون، ولما جاءه الموت قالوا: قل لا إله إلا الله قال: (خربان تربان)، قل لا إله إلا الله قال: (سكر في موية كومة حديد)، ومات.
وشخص كان يغني ومات وهو في السيارة، وعصر (الدركسون) بطنه ومات وكان يغني مع المغنية، وأتوا عليه ميتاً ومنتكساً وفي آخر لفظ من حياته والمسجل شغال على الأغنية وهو يردد بعدها ويقول: (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، يغنى مع (أم كل شوم) (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، لا والله ما رأى أفشل منك، نعم الآن كمل السكرة هناك لا حول ولا قوة إلا بالله.
من الآيات التي تلوتها في المحاضرة في سورة المجادلة قوله عز وجل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:١٨ - ١٩].
ومن سورة الفرقان يقول عز وجل: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:١٢] الله أكبر! تشهق وفي الحديث: (والذي نفس محمدٍ بيده! إن النار لتشهق على صاحبها كما تشهق البغلة على الشعير) تغيظاً وزفيراً عليه {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ} [الفرقان:١١ - ١٣] نار وضيق، نعوذ بالله من النار والضيق، ومقرنين يقرنون في الأصفاد كما تقرن البقرة في الأضماد في يديها مع رجليها ورقبتها {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:١٣ - ١٤].
خسارة عند الخروج من الدنيا حين يخرج ولا يقول: لا إله إلا الله، والله عيب أن تعيش -يا أخي- ستين أو سبعين سنة وتخرج من الدنيا وليس معك من الدنيا حتى لا إله إلا الله، أين تضعها؟ تسجلها في ورقة من أجل أن يلقنونك إياها عند الموت؟ تضعها في مسجل؟ ليس لك إلا أن تثبت عليها من الآن، تثبت عليها يثبتك الله عليها؛ لأن الله يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:٢٧] يعني الآن {وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧] يعني في القبر، حينما تسأل في قبرك من ربك؟ ومن دينك؟ وما نبيك؟ فتقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد.
تثبيت، من يثبت الله؟ الذين آمنوا {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:٢٧] يضله الله عن لا إله إلا الله ما يقولها؛ حتى أن شخصاً مدخناً قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: أعطوني دخاناً! يريد أن يكيف حتى في القبر، لا يوجد دخان لا يوجد إلا عذاب الآن، قل لا إله إلا الله، قال: والله ما أقولها أنا بريء منها، ثقلت على لسانه وما استطاع أن يقول لا إله إلا الله، مصيبة وخسارة {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧] وفي القبر يضله الله فلا يقول ربي الله، يقول: هاه لا أعلم.
وفي القبر ربح لأهل الإيمان، يكون قبرك روضة من رياض الجنة، يُفتح لك باب من عند رأسك إلى الجنة وأرجلك إلى الجنة، وعن يمينك ويسارك إلى الجنة، ويأتيك من روحها وطيبها ونعيمها، ويأتيك عملك على أحسن هيئة ويقول: أبشر بالذي يسرك، قال: من أنت فوجهك الذي يأتي بالخير، قال: أنا عملك الصالح حفظتني فحفظك الله، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
وبعد ذلك يوم القيامة تبعث من قبرك لا خوف عليك؛ لأنك ناجح ورابح، يقول الله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].
ويظلك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وتشرب من حوض النبي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، ينقطع الظمأ عند تلك الشربة وتأخذ كتابك بيمينك، ثم توزن فيرجح ميزانك ثم يقال لك: ادخل الجنة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:٧٠ - ٧١] هذا فوز عظيم في كل مراحل الحياة في الدنيا، والموت، والقبر، وعرصات القيامة، والجنة دار السعداء -نسأل الله من فضله- التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أما بغير الإيمان وبغير الدين خسارة في الدنيا ولو معك مال فهي خسارة، وخسارة في الدنيا ولو معك منصب وعندك دنيا وكل شيء لكن لا يوجد الدين خسارة، تخسر الأمن، والراحة القلبية، وتعيش في قلق وفي حيرة واضطراب، ثم عند الموت تخرج وقد خسرت لا إله إلا الله، وفي القبر خسر البعيد من ربه وما دينه ومن نبيه، ويوم القيامة يخسر خسارة ما بعدها خسارة، يطرد عن الحوض طرداً، يأتي يريد أن يشرب فتذوده الملائكة بسياط من نار، اذهب لا تشرب من هنا، من زمهرير، من الغسلين، اشرب من الحميم والغساق، لماذا؟ لأنك كنت تشرب من المعاصي في الدنيا، ما كنت تشرب من السنة والقرآن والدين، كان مشربك معكراً خطأ من أوله إلى آخره، هناك {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:٣٦ - ٣٧].
ويوزن فيخف ميزانه؛ لأنه تافه رخيص لا وزن له لا قيمة له، ماذا عند العاصي إلا المعاصي، لكن الطائع عنده وزن وعنده إيمان.
وأيضاً يأخذ كتابه بشماله؛ لأنه كان يمشي خطأ، كان يمشي على الشمال، ما كان يمشي مع الله، ما كان يمشي بالاتجاه الصحيح، كان اتجاهه دائماً خطأ في خطأ، ولهذا يأخذ كتابه بشماله ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:٢٥ - ٢٧] ثم بعد ذلك لا يظله الله في ظل عرشه، ويسحب على وجهه في النار -أعوذ بالله من النار- يسحب على وجهه يقول الله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:٤٨].
هذا -أيها الإخوة- هو الخسران المبين، فلنراجع حساباتنا مع الله، ولنصحح أوضاعنا، ومن كان مذنباً فليستغفر.