من الأمور التي تدل على هول يوم القيامة وشدته: طوله.
يوم القيامة يوم عظيم هائل طويل جداً، لا يعلم طوله إلا الله عز وجل، والله عز وجل أخبرنا بأن طوله خمسين ألف سنة، قال العلماء: خمسين ألف سنة في العدد، لكن اليوم الواحد من أيام الآخرة ليس مثل يومنا أربعة وعشرين ساعة قال الله:{وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ}[الحج:٤٧] خمسين ألف سنة واليوم الواحد منها كألف سنة من أيامنا، هيا اضرب خمسين ألف سنة في ثلاثمائة وستين يوماً، ثم اضرب الناتج في ألف سنة؛ لأن أيام الدنيا أربع وعشرين ساعة محكومة بالشمس والقمر ودورة الشمس؛ لكن لا يوجد في يوم القيامة شمس، فالشمس قد كورت وانتهت، فلا توجد شمس ولا يوجد ليل ولا نهار، ولا أيام إلا اليوم الآخر، قال الله فيه:{وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ}[الحج:٤٧] فهل هناك أطول من هذا اليوم، خمسون ألف سنة والناس وقوف في العذاب، أنت إذا أتيت المطار وبقي على الطائرة مثلاً ساعة ودخلت؛ تشعر بالقلق والحرج، فإذا قرب الوعد ولم يبق إلا نصف ساعة قلت: قرب الموعد، لكن وأنت تنتظر، جاءك بلاغ من السعودية: السعودية تأسف وتعلن عن تأخير رحلتها المتجهة إلى كذا وكذا وسوف يكون موعد الإقلاع الجديد بعد ثلاث ساعات، ما رأيك في ثلاث ساعات؛ طويلة أم ليست طويلة؟! الله!! تقول: الله المستعان.
إنا لله وإنا إليه راجعون! ثلاث ساعات أظل قاعداً، أين أذهب في ثلاث ساعات؛ لا يوجد مكان أنام فيه؛ ولا أجلس على الكرسي أريح أرجلي، بعضهم يرجع من المطار من أجل ثلاث ساعات.
هل يوجد كرسي في الآخرة تقعد عليه؟! أو مظلة تتظلل بها؟!! أو طعام تأكل منه؟! أو كساء يسترك؟! أو نوم تستريح به؟! لا يوجد إلا وقوف والعرق يسيل حتى يلجم الناس به في ذلك اليوم؛ فهذا اليوم لطوله ولعظمته هو مما يدل على هول هذا اليوم العظيم، يقول الله تبارك وتعالى في هذا اليوم:{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً}[المعارج:٤ - ٦] لماذا؟! يرونه بعيداً؛ لأن نظرتهم قياسية على أيامهم:{وَنَرَاهُ قَرِيباً}[المعارج:٧] لأن نظرة الله قياسية على أيامه فيكون قريباً فالدنيا كلها لا تساوي عند الله إلا مثل قطرة من بحر: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم؛ ثم ينزعها فينظر بم ترجع) ولطول هذا اليوم يظن الناس في يوم القيامة أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة، ولهذا يقول الله:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ}[يونس:٤٥] وبعد ذلك يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، وتقول لهم الملائكة:{كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}[المؤمنون:١١٢ - ١١٣] والعمر كم هو في الدنيا؟! عمر الدنيا منذ خلقها الله إلى أن يفنيها آلاف السنين، وعمر الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم يفنيها بالنسبة ليوم الآخرة يوم أو بعض يوم، أي: ليس يوماً كاملاً.
لا إله إلا الله! يقول تبارك وتعالى محذراً الناس أنه سيحشرهم:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}[النازعات:٤٦] ويقول: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً}[طه:١٠٤] وأمثلهم طريقة أي: أحسنهم رأياً وتسديداً وخبراً يقول: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً}[طه:١٠٤] ويقول: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[الروم:٥٥] ويقول عز وجل: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:١١٢ - ١١٨] هذه -أيها الإخوة- الأمور الخمسة نستدل بها على عظمة هذا اليوم.