[السيرة سبيل إلى التأسي برسول الله]
ومن أهداف السيرة ودراستها: أننا مأمورون بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الرجل المثالي الذي ينبغي أن يحتذى به، فكل واحد منا في حياته له مثل وقدوة يود أن يكون مثله، فمن قدوتك أيها المسلم؟! إن قدوتك هو رسول الله، ولهذا يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] فهذه ثلاثة شروط لمن كان يريد أن يكون له أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزمه أن يكون مؤمناً بالله واليوم الآخر، وأن يذكر الله كثيراً، هذا هو الذي له في رسول الله أسوة حسنة، أما الذي لا يرجو الله، ولا يؤمن بلقائه، ولا يذكره فلن يكون محمد قدوته، فتكون له قدوات أخرى، فيكون قدوته اللاعب الفلاني، أو المغني الفلاني، أو الممثل الفلاني، أما أنت أيها المؤمن! يا من ترجو لقاء الله! يا من تؤمن بالله! يا من تذكر الله! من قدوتك؟ من الرجل الكامل الذي تتخذه قدوة يقودك إلى النجاة في الدنيا والآخرة؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما دمنا مأمورين بالاقتداء به؛ فإن الأمر يقتضي معرفة أحواله وشمائله وأخلاقه في جميع الأمور والأحوال والمناسبات؛ لأن من عرف شمائله وأخلاقه أحبه، ومن أحبه اقتدى به، وعلى ذلك سينال الأجر العظيم من الله في الدنيا والآخرة، حيث سيحشر معه، يقول أنس بن مالك في الحديث الصحيح: (جاء رجل أعرابي فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من كلامه، ثم قال له: أين السائل؟ قال: هأنذا يا رسول الله -فربطه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل- قال: ما أعددت لها؟ -القضية ليست قضية أسئلة- قال: لا شيء غير أني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت) يقول أنس: فما فرحنا يومئذٍ بأعظم من هذا، فإنا والله نحب الله ورسوله.
ونحن أيها الإخوة! نحب الله ورسوله، نسأل الله أن يوفقنا لأن نترجم هذه المحبة إلى عمل؛ لأن المحبة إما صادقة، وإما كاذبة، فالمحبة الصادقة هي التي يتبعها فعل، والكاذبة هي التي لا تتجاوز اللسان، يقول:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيع
فإذا أحببت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنك تنساق إلى طاعته واتباعه من غير مشقة؛ لأنك تحبه، وهذا واقع في حياة الناس الآن، فإذا قلت لزوجتك: إني أحبك، وقالت لك في الصباح: اقض لنا الحاجة الفلانية.
فسترد عليها قائلاً: أرجوكِ! إن المحبة في القلب، وليست في قضاء الحوائج.
فماذا ستقول المرأة؟ هل تصدقك في أنك تحبها؟ أتحبها ولا تقضي لها حوائجها؟ أتحبها ولا تهدي إليها هدية؟ أتحبها ولا تكسوها؟ لأنه من المعلوم أن الذي يحبك يعطيك، ويطيعك، ويحفظك، ولا يحب أن يسيء إليك.
فكيف تدعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنت ضد سنته؟ ومخالف لهديه؟ فأنت في وادٍ، وشريعته في وادٍ وتقول: والله إني لأحبه، فهذه محبة الكذابين، فإذا أردت أن تكون محباً فاتبع، يقول الله عز وجل في سورة آل عمران: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١] يقول ابن عباس: [امتحن الله الخلق بهذه الآية] فهي اختبار، (قل) هنا للشرط، إن كنتم تحبون الله بصدق؛ فاتبعوا رسول الله، لماذا؟ لأن الله ما أرسله إلا ليطاع، يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:٦٤] فكيف يرسل الله لك رسولاً ولا تطيعه؟ لو أرسل لك مدير قسم الشرطة باستدعائك إلى القسم، فماذا تفعل؟ بالطبع ستقطع أعمالك وتذهب مباشرةً، فهل تشرع في الاستجابة احتراماً للعسكري أم للذي أرسله؟ للذي أرسله بطبيعة الحال.
لكن لو امتنعت ولم تذهب مع العسكري، فسيأتي من يأخذك قهراً مكبل اليدين؛ لأنك رفضت طاعة العسكري الذي يمثل من أرسله وهناك قد تكون قضيتك الأولى بسيطة، لكن يفتح لك تحقيقاً جديداً في موضوع التمرد والعصيان، فكيف يرسل لك رجل الدولة، والذي يحمل شعار الدولة ويعطيك الأمر وتقول: لن تأتي؟! إذاً فأنت عاصٍ، وعلى هذا قد تضاعف لك العقوبة، وتفتح لك قضية، ويمكن أن يحكم عليك بالسجن؛ لأنك عصيت رجلاً من رجال الدولة، وهذا حق، فلا ينبغي أن تعصي، لماذا؟ لأن طاعة العسكري من طاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر من طاعة الله بالمعروف، وأنت مأمور بطاعة ولي الأمر وإلا فإنك تستحق العقوبة.
وكذلك حين يرسل الله إليك رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنت ترفض إجابة دعوته؛ فإن الله سيرسل إليك برسول آخر اسمه ملك الموت يأخذك قهراً، وإذا أخذك قلت: رب ارجعونِ لعلي أعمل صالحاً وأطيع الرسول قال لك: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:١٠٠ - ١٠١].
إذن فيقتضي الاقتداء برسول الله أن ندرس شمائله، وأحواله، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.