للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحب بين النعيم والعذاب]

السؤال

سئلت عن سؤال سابق كان عن الحب هل هو نعيم أم عذاب، نرجو أن تعيد الجواب؟

الجواب

هذا السؤال المفروض ألا يقدم لي وإنما يقدم لأهل الاختصاص، أما أنا فلست مختصاً بالحب، ولكن لنسأل أهل الاختصاص، وسألناهم فقال بعضهم: إن الحب نعيم، تقوله كوكب الشرق، تقول: الحب نعيم، وسألنا بعضهم، فقالوا: الحب عذاب، يقوله شهيد الفن، يقول: الحب عذاب، حبك نار، قربك نار، بعدك نار، نار يا حبيبي نار ومن الصادق منهم؟ كذبوا كلهم.

الحب ينقسم إلى قسمين: إن كان حلالاً فهو نعيم، وإن كان حراماً فهو فاحشة وعذاب أليم؛ فعندما تحب زوجتك يصير نعيماً لأنها بيدك، كلما أردتها كانت بجانبك، لكن إذا أحببت بنت العرب، وإذا بها بعيدة، وكلما تذكرتها طار قلبك وتقطع جوفك وهي عند أهلها، فتعيش في عذاب، يقول الناظم:

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكياً في كل حين مخافة لوعة أو لاشتياق

فيبكي إن نأى شوقاً إليهم ويبكي إن دنا خوف الفراق

فتسكن عينه عند التداني وتسخن عينه عند الفراق

إذاً لماذا أحب؟! ولماذا أعذب نفسي؟! وإلى متى؟ إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت فأحب زوجتك.

كان هناك أحد الشباب كنت أسير معه في طريق من المسجد إلى بيتي، فمررنا بفتيات، فغضضت بصري ثم تلفت فيه؛ لأنه شاب ملتزم، أريد أن أختبره، هل سيغض بصره أم لا؛ لأن من الشباب الملتزم من يحصّل الالتزام بالشكل، فيربي لحيته ويرفع ثوبه، لكن إذا رأى النساء نظر إليهن، وهذا لا يصلح، هذا ليس بملتزم، الالتزام شكل ومضمون تعفي لحيتك عملاً بسنة الرسول، وترفع ثوبك عملاً بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأيضاً تغض بصرك، وتحفظ سمعك، وتخاف الله وتراقبه في كل شيء، أما مع الناس متدين وإذا كنت لوحدك عاص، فهذا خطر عظيم، جاء في السنن من حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه -والحديث صحيح- قال عليه الصلاة والسلام: (يكون يوم القيامة أقوام لهم حسنات كأمثال جبال تهامة، ثم يقول الله لها: كوني هباءً، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها).

إذا كان في غرفة النوم شغل الراديو بصوت منخفض ورقد على الأغاني، لكن لو رآه أحد زملائه استحى، يستحي من الناس ولا يستحي من الله.

فراقبت الأخ هذا ونحن نمشي، فكانت عيناه عند قدمه والله ما رفعها، وبعد ذلك لما مرينا قلت له: يا فلان، قال: نعم.

قلت: ما هو الأحسن غض البصر أو التلفت؟ قال: لا والله غض البصر أفضل، قلت: لماذا؟ قال: لو أني تلفت لكان قلبي الآن يتقطع عليهم، لكن عندما غضيت بصري ولم أر شيئاً استرحت، ولهذا يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠] لماذا؟ قال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] أحسن لك يا أخي.

ويقول ابن القيم:

وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ويقول:

وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل

فيا أخي لا تعذب نفسك بعينك، اجعل عينيك في رأسك، انظر بها إلى الحلال إلى أن تتزوج، ثم انظر إلى زوجتك إن شاء الله.