ثم يذكر الله عَزَّ وَجَلّ مشهداً آخر، وهو مشهد الفزع والخوف والهلع الذي يقتلع قلوب الناس يوم القيامة -اللهم ارحمنا برحمتك- حتى إن القلوب لتسد الحناجر، فلا يبقى للرجل حنجرة يتكلم بها أو يتنفس منها، فتبلغ القلوب الحناجر، يقول الله عَزَّ وَجَلّ:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر:١٨] * {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩] والآزفة: القيامة، أزفت الآزفة، أزف الموعد، أزف الامتحان، أي: لا توجد فرصة، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سمى القيامة آزفة فإذا أزفت الآزفة فإن القلوب لا تبقى في الصدور كما هي الآن، وإنما تصعد إلى الحناجر {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر:١٨] * {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩].
هذه القيامة -أيها الإخوة- يصورها الله لنا، فماذا أعددنا لها؟ لا إله إلا الله، ما أقسى قلوبنا!! أخي الكريم: إذا أتيت المخبز تذكر لو طلب منك أن تجلس ولو لحظة واحدة في هذا الفرن، والله لن تستطيع، لو طلب منك أن تعبد الله طيلة حياتك أو أن تجلس فيه دقيقة واحدة لاخترت الأول ورفضت أن تجلس.
نحن أيها الإخوة! في غفلة وبعد عن الله، لقد تحجرت قلوبنا وماتت، والله لو تعلم البهائم من أمر الآخرة ما نعلم ما أكلنا منها سميناً.
خرج عليه الصلاة والسلام على الصحابة وهم يضحكون فقال لهم:(والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصُّعدات تجأرون إلى الله) كان أهل الإيمان يبكون من خشية الله، لا نريد الآن بكاء بل نريد الابتعاد عن الحرام والمعاصي، والقيام بطاعة الله عَزَّ وَجَلَ.