للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جزاء المتقين في الدنيا والآخرة]

يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} [الحديد:٢٨] فماذا يحصل لكم بعد هذا؟ قال: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:٢٨] أي: يعطكم نصيبين من رحمته، قال العلماء: نصيب في الدنيا ونصيب في الآخرة.

فيعطيك الله نصيباً في الدنيا والآخرة فيرحمك؛ يرحمك في الدنيا فيبقيك على الصراط المستقيم، وينور بصيرتك، ويحبب إليك الإيمان، ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، ويوفقك ويسددك ويهديك ويشرح صدرك للإيمان، وبعد ذلك يرحمك في الآخرة فيجيرك من النيران ويجعلك من أهل الجنان: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:٢٨] قال العلماء: نوراً هنا: نكرة، أي: يجعل لكم نوراً شاملاً في الدنيا، والقبر، وعلى الصراط، كما قال عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:١٢ - ١٣].

والنور في القبر كما قال صلى الله عليه وسلم والحديث في صحيح مسلم: (والصلاة نور) فالصلاة نور في القبر؛ إذا أردت أن تنور القبر فبالصلاة، بحيث إذا دخلت لا يوجد إلا الأنوار، فحافظ على الصلاة من الآن، حتى تكون الصلاة لك نوراً يوم الظلمات، يوم تترك نور الدنيا، ويضعونك في العمارة النهائية المصيرية، في قبر موحش مظلم، مساحته ضيقة وليست متسعة، ثم لحد، ثم ظلام وليس معك شيء إلا عملك وصلاتك، والصلاة نور ليوم القيامة، إلى آخر الأمر، قال الله عز وجل: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:٢٨] لأنه وقد تقع من الإنسان هفوات فلا أحد معصوم، وكلكم خطاءون ولكن من غير إصرار ولا مداومة.

ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:٢٩] قال العلماء: (فرقاناً) يجعله الله لك بالتقوى؛ وهو نور يقذفه الله عز وجل في قلبك وبين عينيك فترى به طريق الخير فتتبعه، وطريق الشر فتجتنبه، وهذا معنى الفرقان الذي تفرق به بين الحق والباطل، والخير والشر، والهداية والضلالة، وطريق الله وطريق الشيطان، لماذا؟ لأن عندك نوراً وفرقاناً، لكن إذا لم يوجد نور ولا فرقان فربما يسير الإنسان في الغواية والضلال -والعياذ بالله- لأنه لا يدري فهو أعمى؛ والأعمى تسهل قيادته إلى المهالك والعياذ بالله.

هذه التقوى -أيها الإخوة- وجهت للمؤمنين.